أمضى مندوبو هيئة الإذاعة البريطانية ستة أشهر وهم يتعقبون الأموال المنهوبة من مصر، وفى اليوم الذى جرى فيه بث البرنامج الوثائقى الذى أعد حول الموضوع (الاثنين 3/9) نشرت صحيفة «الجارديان» تحقيقا حول النتائج التى توصل إليها مندوبو هيئة الإذاعة، ومن البرنامج والتحقيق المنشور، عرفنا الكثير الذى ظل مسكوتا عليه طوال الأشهر الماضية. فى المقدمة من ذلك ما يلى:
•أن قادة ست دول عربية نهبوا نحو 300 بليون دولار من ثروات بلادهم على مدى الأربعين سنة الماضية. والدول هى مصر والعراق (فى ظل صدام حسين) وتونس وليبيا واليمن وسوريا، وهذه الأموال كان يمكن أن تزيد خلال تلك الفترة إلى أكثر من تريليون دولار، لو استثمرت فى التنمية البشرية والصناعية والبنى التحتية.
•أن خبراء البنك الدولى قدروا حجم الأموال المنهوبة من مصر خلال الثلاثين سنة الأخيرة (سنوات عهد مبارك) بنحو 134 بليون دولار من بينها 54 بليونا فى السنوات الثمانى الأخيرة، فى حين ذكر برنامج هيئة الإذاعة البريطانية أنها لا تزيد كثيرا على البليون دولار، منها 700 مليون فرنك فى مصارف سويسرا. لكن تلك الأموال لم ترد بعد إلى الخزينة المصرية، وقد تستغرق عملية الرد نحو عشر سنوات.
•إن الحكومة السويسرية أصدرت أمرا بتجميد أصول مبارك بعد نصف ساعة من تنحيه، فى حين أن بريطانيا لم تقرر ذلك إلا بعد 37 يوما، ومع ذلك فإن الجهات الرسمية هناك لم تأخذ الأمر على محمل الجد، وغضت الطرف عن ممارسات كثيرة لأسرة مبارك وأعوانه كان ينبغى أن تخضع للتجميد، لذلك قال الدكتور محمد محسوب العضو البارز فى المجموعة القانونية التى شكلت لاسترداد الأموال المنهوبة (وزير الدولة للشئون القانونية الآن) إن بريطانيا كانت الاسوأ فى التعامل مع ذلك الملف.
•عرضت الـ«بى بى سى» مستندات خاصة بالشركات التى أسسها أبناء مبارك وأعوانه على مدى الأشهر الستة الأولى بعد الثورة. ولاحظت أن هؤلاء استغلوا التسهيلات فى فروع المصارف العربية فى حى المال بلندن، وسجلوا فيها الإيداعات عبر شركات قابضة. وتبين أنهم نظفوا الأموال القذرة فى ملاذات مثل بنما وجزر كايمن وقبرص وجبل طارق، إضافة إلى بعض مراكز المال العربية (دبى فى المقدمة منها).
•كان النهب مبرمجا ومنظما من جانب أسرة مبارك ورجاله، إذ تم تأسيس مصرفين خاصين فى عهد الرئيس السابق، لهما وضع مصارف أوف شور للتعامل مع تحويل الأموال خارج مصر. وقد تم تأسيس المصرفين وفقا لمرسوم رئاسى صدر فى عام 1974، قبل وصول مبارك إلى السلطة. وكان جمال مبارك عضوا فى مجلس إدارة أحدهما، وهو مختلط عربى أفريقى. وقد ظل أحد المصرفين يمارس نشاطه كالمعتاد حتى 22 مارس 2012 (13 شهرا بعد الثورة) حين تم تعديل نظامه وأخضع لرقابة البنك المركزى المصرى.
•أشار البرنامج إلى أن مرسوما رئاسيا صدر فى 2004 حدد دورا للبنك المركزى فى رقابة مصارف الأوف شور، ومن بينها المصرفان المذكوران، وأعطى المرسوم للرئيس الحق فى تعيين محافظ البنك المركزى ورئاسة مجالس إدارات المصارف بما فيها مصارف الأوف شور. وتحدث عن ان بعض المصارف التى ساعدت فى تهريب الأموال وتنظيفها لاتزال فى مراكز القرار.
•صدر قرار بريطانى بتجميد أصول بقيمة 85 مليون جنيه إسترلينى يملكها مبارك وزوجته ونجلاه، إضافة إلى 15 آخرين من الأعوان. إلا أن تحقيقات الـ«بى بى سى» بينت أن ممتلكات وأصولا أخرى لم يشملها التجميد، منها منازل فاخرة فى منطقتى «تشيلسى» و«نايتس بريدج» الراقيتين فى لندن. إضافة إلى شركات تجارية ظلت تمارس نشاطها لعدة أشهر بعد صدور قرار التجميد.
•لم يستطع مندوبو الهيئة البريطانية أن يجدوا أية مؤشرات دالة على أن مكتب تسجيل الأراضى والعقارات اتخذ قرارا بشأن المنزل الذى كان يقيم فيه جمال مبارك لسنوات عدة فى منطقة «ويلتون بالاس» بحى «نايتس بريدج» ويقدر ثمنه بما يتراوح بين 8 و10 ملايين إسترلينى. وهو العنوان الذى اعتبره محل إقامته وسجله فى شهادة ميلاد ابنته فريدة.
•أثناء التحقيقات التى أجريت حول تصرفات أسرة مبارك فى جنيف، تبين أن قرينة الرئيس، السيدة سوزان مبارك كانت تقيم فى جناح ملكى فى فندق فور سيزونز، بكلفة 15 ألف دولار فى الليلة الواحدة (أكثر من 90 ألف جنيه مصرى).
لى تعقيبان على البرنامج الوثائقى الذى أعاد إلى أذهاننا الوجه القبيح للنظام السابق، هما:
ــ أن هيئة الإذاعة البريطانية تستحق الشكر والتقدير على الجهد الذى بذله مندوبوها طوال ستة أشهر لإنجاز هذا العمل الهام، الذى كان ينبغى أن تقوم به بعض الفضائيات المصرية المشغولة أكثرها بالإثارة والثرثرة واللعب على التناقضات الداخلية.
ــ أن ملف القنوات المصرفية المصرية التى تم من خلالها تهريب تلك المليارات لم يفتح بعد، خصوصا أن البرنامج أشار إلى قيادات كانت ضالعة فى عملية التهريب، ولاتزال فى مواقعها حتى الآن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق