كتب- شريف شعبان مبروك*
من ناحية أخرى يقوم رجال أعمال صهاينة ومن أبرزهم (شيمون ناور) بتهريب أسلحة إلى كل من ليبريا وإريتريا، هذا بالإضافة لقيام جنرالات متقاعدين من الجيش الصهيوني بإدارة مصانع للأسلحة في داخل الكيان الصهيوني، ويتولون تسليح الحكومات الأفريقية والمنظمات والشركات الخاصة ومن أبرزهم (عاموس جولان) وقد باع لأوغندا 26 دبابة بقيمة 750 ألف دولار للدبابة الواحدة، كما ساعد فى تسليح المتمردين فى الكونغو.
-------------------------
تنوعت آليات وأدوات السياسة الخارجية للكيان الصهيوني تجاه القارة الأفريقية بصفة عامة ومنطقة القرن الأفريقي بصفة خاصة، بين الوسائل العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، والتعليمية، ولعل ما ذكره الكاتب الصهيوني (يشوع ديش) عن الخدمات التى يقدمها الكيان الصهيوني للدول الأفريقية بقوله "إن الكيان الصهيوني لا يقوم بعمل خيرى فى أفريقيا وأن نشاطه ليس منزهاً تماماً عن المصلحة التى تتمثل فى تحطيم الحصار العربى بتوسيع الكيان الصهيوني علاقاتها الدولية".
وبشكل عام يسعى الكيان الصهيوني إلى تحقيق أهدافها في المجال العسكري الأمني من خلال عدة وسائل:
أولا: المساعدات العسكرية والأمنية للدول الأفريقية، وذلك من خلال شقين:
1- نقل المهارات التقنية اللازمة لتشغيل وصيانة الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الكوادر العسكرية فى الدول المعنية من خلال برامج تدريبية يقدمها خبراء الكيان الصهيوني للكوادر الأفريقية.
قام الكيان الصهيوني في هذا الصدد بتشكيل فرق عمل أمنية وعسكرية مع العديد من الدول الأفريقية، وذلك بهدف بناء نفوذ للكيان الصهيوني داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية والسياسية فى البلدان الأفريقية، ولاسيما الكونغو الديمقراطية، حيث تشير بعض التقارير إلى أن الكونغو الديمقراطية وقعت عام 2002 حوالى 12 اتفاقية للتعاون الشامل مع الكيان الصهيوني، منها اتفاقية عسكرية أمنية سرية يقوم بمقتضاها الكيان الصهيوني بتدريب وتسليح الجيش الكونغولي، والقوات الخاصة التابعة له والمشاركة فى عملية إعادة بناء قوات الشرطة والأمن ومن أبرزها الصفقة التى وقعها خبراء أمن في الكيان الصهيوني مع الرئيس جوزيف كابيلا، وذلك لإنشاء وحدة حراسة خاصة، هذا فى مقابل احتكار شركة للكيان الصهيوني تصدير الماس والأحجار الكريمة فى كل أنحاء الكونغو لمدة 18 شهراً، هذا بالإضافة إلى اتفاقية خاصة سرية لتطوير وإعادة تأهيل جهاز الاستخبارات الكونغولى المعروف باسم "نير".
كما أبرم الكيان الصهيوني عدة اتفاقيات للتعاون الأمني والعسكري مع رواندا منذ عام 1998، كما ساهم في إعادة بناء قوات الجيش الرواندى وتسليحه وتدريبه، وبموجب هذه الاتفاقيات يستضيف الكيان الصهيوني بصورة سنوية العديد من الضباط فى القوات الرواندية للتدريب داخل الكيان الصهيوني، هذا فضلا عن قيام خبراء التسليح والتدريب في الكيان الصهيوني بتدريب القوات الرواندية.
ومن الجدير بالذكر أن تقرير المخابرات الفرنسية عن منطقة القرن الأفريقى الصادر في عام 1996، أكد أن الكيان الصهيوني يتحمل الجانب الأكبر من تدهور الأوضاع فى منطقة البحيرات العظمي، حيث أوضح التقرير أن الكيان الصهيوني قام بتسليح جيشي رواندا وبورندى بأسلحة قديمة يعود تاريخها للستينات بدون أي مقابل مادي، وذلك بهدف كسب ود السلطات الحاكمة فيهما، وأن الكيان الصهيوني نجح في وضع أقدامها في المنطقة، وقامت بعرض مساعدة حكومتي البلدين في حماية المنشآت الاستراتيجية في العاصمتين "بوجمبورا" و"كيجالي" ضد هجمات قبيلة الهوتو، هذا بالإضافة لتوليها الحماية بواسطة بعض الشركات الخاصة التابعة لجهاز الموساد بالكيان الصهيوني، ثم تطرق التقرير إلى قيام تجار السلاح في الكيان الصهيوني ببيع الأسلحة بأسعار زهيدة للمتمردين بناء على أوامر الموساد لإشعال الأوضاع في المنطقة وضمان استمرار حاجة حكومات دول المنطقة للمساعدات وللوجود الصهيوني بهدف تحقيق استراتيجية الكيان الصهيوني في الالتفاف حول مصر فى محيطها الإقليمي.
هذا بالإضافة إلى قيام العديد من الخبراء العسكريين الصهاينة ومن أبرزهم آرييل شارون بزيارات إلى أنجولا فى بداية الثمانينات لمساندة حركة يونيتا المتمردة بزعامة جوناس سافيمبى.
ولا يقتصر دور الكيان الصهيوني عند هذا الحد بل تقوم شركات الأمن الصهيونية بدور كبير فى القارة الأفريقية، ويمكن تقسيمها حسب نشاطها إلى نوعين:
أولهما: شركات المرتزقة: ومن أبرز هذه الشركات شركة "ليف دان"، وشركة "الشبح الفضي" حيث يخشى الرؤساء الأفارقة من قواتهم المسلحة، ومن ثم يلجأ العديد منهم لتكوين ميليشيات قبلية لتأمين أنفسهم حيث تتولى شركات المرتزقة الصهاينة تدريب وتسليح هذه الميليشيات.
ثانيهما: الشركات التى تتولى تنفيذ مخططات الكيان الصهيوني فى أفريقيا: ومن أهمها شركة "بول باريل"، وشركة "أباك" وهما شركتان فرنسيتان مملوكتان لعناصر صهيونية حيث يتبنى الكيان الصهيوني سياسة تهدف لإشعال وتصعيد الصراعات فى القارة الأفريقية، وذلك بهدف إسقاط أنظمة تسعى إلى التقارب مع الدول العربية من جانب، وإحكام السيطرة الاقتصادية والسياسية للكيان الصهيوني على هذه الدول من جانب آخر.
2- تواجد الخبراء الصهاينة فى المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية داخل المؤسسات الوطنية للدول الأفريقية
يسعى الكيان الصهيوني إلى استغلال الدول الأفريقية للتجسس على مصر والسودان والصومال وجيبوتى ومنطقة البحر الأحمر وشمال أفريقيا، ومن ثم تتواجد مكاتب للموساد الصهيوني فى العديد من الدول الأفريقية مثل اريتريا، أوغندا، وكينيا، إثيوبيا، الكونجو الديمقراطية، ورواندا، وذلك وفق اتفاقات مبرمة بين الجانبين، هذا فضلا عن الوجود الاستخباراتى غير المباشر من خلال الخبراء والمستشارين الفنيين، ومن الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني قد استكمل مشاريعة للتجسس فى أفريقيا بوضع القمر "عاموس 1" فوق مدار القمر العربى "عرب سات 2" فوق أجواء كينيا، مما يساعد الكيان الصهيوني فى التجسس على الاتصالات العربية من جهة، والأفريقية من جهة أخرى.
ثانيا: الترويج لمبيعات الأسلحة والمعدات القتالية للكيان الصهيوني فى الدول الأفريقية:
تعد الصادرات العسكرية للكيان الصهيوني من الأدوات الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية الصهيونية فى القارة الإفريقية، هذا بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية حيث تعد من أبرز القوى الدافعة للاقتصاد الصهيوني ولاسيما أنها تعد واحدة من أكبر خمس دول مصدرة للسلاح فى العالم فى الوقت الراهن.
وهذا ما أبرزته مصادر من وزارة الدفاع الصهيونية بأن الكيان الصهيوني من كبرى الدول المصدرة للسلاح فى العالم، إذ تعد الأكبر بعد كل من أمريكا، بريطانيا، وفرنسا، كما تتقدم على كل من روسيا وألمانيا.
ومن الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني يُعد فقط ترسانة بمختلف أنواع السلاح العادي والكيماوي والنووي، وإنما هي أيضاً مصنع كبير يصدر السلاح من جميع الأنواع إلى أفريقيا وبقية أجزاء العالم.
وقد امتدت مبيعات السلاح الصهيونية إلى العديد من الدول الأفريقية، حيث قام الكيان الصهيوني بتسليح جيشي رواندا وبورندى، كما باع إلى عدد كبير من الدول الأفريقية منها جنوب أفريقيا، إثيوبيا، كينيا، ليبريا، أوغندا، الكاميرون، إريتريا، الكونغو الديمقراطية، وذلك وفقا لتقارير المخابرات الفرنسية التي نشرتها جريدة اللوموند في عام 2000.
ويشير كتاب تهريب السلاح إلى أفريقيا الصادر عام 2004 عن معهد أبحاث قضايا الدفاع والأمن ونزع السلاح فى بروكسل نقلا عن الجنرال الصهيوني "يوسي بن حنان" رئيس دائرة المساعدات فى وزارة الدفاع الصهيونية أنها كانت تحقق قبل ست سنوات، أى عام 1998 دخلا من تجارة السلاح يقدر بنحو 1.7 مليار دولار، وفي عام 2004 بلغ الرقم نحو 4 مليارات دولار، كما قام فى هذا الإطار ببناء جيوش تلك الدول بأسلحة معدات عسكرية صهيونية.
وبموجب هذه السياسية أصبحت أسلحة الكيان الصهيوني منتشرة فى أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية خاصة منطقة البحيرات العظمى، حيث ترتبط معظم حركات التمرد بصلات مباشرة بالموساد في الكيان الصهيوني، ولا تخلو أى دولة أفريقية من وجود مكاتب يعمل فيها ضباط فى الجيش الكيان الصهيوني مهمتها عقد صفقات بيع الأسلحة.
وقد صدرت عن بعض كبار الساسة فى الكيان الصهيوني تبريرات عديدة حول التورط العسكرى الصهيوني فى أفريقيا، فقد أكد إسحاق شامير عندما كان وزيراً للخارجية فى حديث له براديو الكيان الصهيوني: "أن الكيان الصهيوني يزود زائير بالأسلحة والمعدات ولكنها ليست الدولة الوحيدة فى العالم التى تقوم بذلك، فهناك أيضاً دول مثل فرنسا وبلجيكا والصين".
ويؤكد شامير أن المساعدات الأمنية والتكنولوجية هى أبرز ما يمكن أن يقدمه الكيان الصهيوني للدول الأخرى، هذا إلى جانب المساعدات فى مجال الزراعة، وذلك لأنه ليس فى استطاعتها تقديم مساعدات اقتصادية ومالية كبيرة.
من ناحية أخرى يقوم رجال أعمال صهاينة ومن أبرزهم (شيمون ناور) بتهريب أسلحة إلى كل من ليبريا وإريتريا، هذا بالإضافة لقيام جنرالات متقاعدين من الجيش الصهيوني بإدارة مصانع للأسلحة في داخل الكيان الصهيوني، ويتولون تسليح الحكومات الأفريقية والمنظمات والشركات الخاصة ومن أبرزهم (عاموس جولان) وقد باع لأوغندا 26 دبابة بقيمة 750 ألف دولار للدبابة الواحدة، كما ساعد فى تسليح المتمردين فى الكونغو، هذا بالإضافة إلى وجود شركات كبرى تولت الحرب الأهلية فى الكونغو برازافيل عندما أعلن حلف وارسو تفكيك قواعده كانت أسلحته سلعة استراتيجية فى أيدى عملاء صهاينة تملأ السوق السوداء فى أفريقيا.
ثالثا: مواجهة الوجود الإيراني في شرق إفريقيا :
الأهمية الكبيرة للبحر الأحمر جعل الكيان الصهيوني يعتبره جسراً يصلها بالبلدان الإفريقية والآسيوية سياسيا واقتصاديا وإستراتيجيا. وهي لهذا تتابع بقلق بالغ تنامي الوجود الإيراني في شرق إفريقيا ولكن بشكل خاص في إريتريا.
وقد أدى تنامي علاقات التعاون العسكري بين إريتريا وإيران ومنح قطع الأسطول الإيراني تسهيلات في مينائي مصوع وعصب ونصب صواريخ بحرية قادرة على تهديد الأسطول التجاري والحربي للكيان الصهيوني والأساطيل الغربية يفرض تحدياً، لأن هذا الوجود هدفه بالأساس مواجهة الوجود البحري العسكري الصهيوني الذي يحشد في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي لمواجهة احتمال توجيه ضربة عسكرية جوية وبحرية ضد إيران عن طريق خلق وجود مضاد أو تحدي مضاد.
ومع أنّ هذا الوجود سيهدد دولاً عربية تقع على سواحل البحر الأحمر كالسعودية واليمن وحتى مصر دون أي تهديد للسودان بحكم العلاقات الحسنة بينه وبين إيران فإنّ الكيان الصهيوني تحمل العبء الأكبر في مواجهة التحدي الإيراني الذي ينطلق من إريتريا، وإلى جانبها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. حيث أن أمن البحر الأحمر له أبعاد محلية صهيونية وأبعاد إقليمية ودولية، وأي تواجد لإيران في هذا البحر والتي تدعم منظمات إرهابية والحركات الجهادية، سيزيد من حدّة التوتر الذي سيؤثر قطعا على مصالح هذه الأطراف ويعرضها للخطر.
وكان هذا الأمر محل تداول ونقاش مع الولايات المتحدة ومع دول أوروبية بريطانيا ومصر والأردن باعتباره يقع في المدخل الشمالي خليج العقبة وحتى مع إثيوبيا رغم أنّها لم تعد تعتبر دولة بحرية ولكنها معنية باحتواء إريتريا والوجود الإيراني فيها. وقد فشلت كل الدعوات السابقة لجعل البحر الأحمر بحيرة أمن وسلام لجميع الدول التي تقع على شواطئه، إلا أنّ وجود إيران وطموحاتها الإقليمية جعلت من هذه الدعوات مجرد صيحة في واد ونفخة في رماد.
وأخيراً، استطاع الكيان الصهيوني الحصول على تسهيلات عسكرية خاصة في الدول المشاطئة للبحر الأحمر، ودول حوض النيل من خلال استخدام قواعدها الجوية والبحرية، حيث يكتسب الوجود الصهيوني فى تلك الدول أهمية خاصة بالنسبة لنظرية الأمن الصهيوني باعتبار هذه الدول مجاورة بشكل مباشر للدول العربية، ومن ثم يأتي الوجود العسكرى الصهيوني فى تلك الدول فى إطار تطويق الدول العربية وحرمانها من امتلاك نفوذ فى القارة السمراء.
ووفق ذلك، يجب التأكيد على أن التغلغل الصهيوني لدول منطقة القرن الأفريقي، ينبع من كون السياسة الصهيونية تتبع إستراتيجية الالتفاف حول دول حوض النيل بأنشطه عسكرية وأمنية مكثفة لتهديد الأمن القومى العربي والمصري، وذلك من خلال الحصول على تسهيلات عسكرية، وإقامة قواعد جوية وبحرية فى أماكن إستراتيجية واستخدام الدول الأفريقية كقاعدة للتجسس مع الأقطار العربية، هذا بالإضافة لتصريف المنتجات العسكرية الصهيونية وخلق كوادر عسكرية أفريقية تدين لها بالولاء.
باحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية – مصر
0 التعليقات:
إرسال تعليق