الثلاثاء، 26 يوليو 2011

تقسيم السودان... أطماع صهيونية لا تنتهي

كتب د. سامح عباس* 
نشير إلى أن الأطماع الصهيونية فى السودان ليست وليدة اليوم أو الأمس فقط، بل سعت إسرائيل منذ الستينات من القرن الماضي لأن تضع لها موطئ قدم بها، لتحكم حصارها وخناقها للدول العربية المجاورة لها، وبخاصة مصر من جهة، ولكي تستفيد من الثروات الطبيعية التى تتمتع بها السودان من جهة أخرى، لكن يبدو أن المخطط الصهيوني طويل الأجل قد بدأ يؤتي ثماره، وسوف تتواجد إسرائيل بقوة على الساحة السودانية الجنوبية فور الإعلان عن انفصال ..
 
-------------------------
 
قُبيل إجراء الاستفتاء العام فى السودان حول انفصال الجنوب عن الشمال والمقرر له فى التاسع من يناير القادم، حظيت السودان باهتمام بالغ من جانب مراكز الأبحاث الأكاديمية والأجهزة المخابراتية فى إسرائيل، عبّرت عنها الكثير من التقارير والدراسات العبرية التى تناولت الشأن السوداني، ومستقبل السودان فى ظل سناريوهات التقسيم التى رسمت ملامحها المراكز البحثية الصهيونية منذ فترة بعيدة، خاصة فى ظل توطيد العلاقات المستمر بين تل أبيب وقيادات المتمردين فى جنوب السودان، واستغلال الصهاينة للاجئين السودانيين الذين تستقبلهم، كورقة مساومة تلاعب بها حكومة الخرطوم من أجل تخليها عن دعم المقاومة الفلسطينية، لاسيما مساندة نظام حركة حماس فى غزة، واتهام تل أبيب لحكومة الخرطوم بالتورط فى عمليات تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة.
 
ومن أبرز الأبحاث الأكاديمية الصهيونية التى تحدثت عن السيناريو المرتقب فى السودان عقب استفتاء الجنوب، بحث تقدم به يوائيل جوزنيسكي الخبير الإستراتيجي بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب الإسرائيلية تناول فيه رؤية تل أبيب لمستقبل الأوضاع في السودان. مشيراً إلى أن استفتاء الجنوب يهدف في المقام الأول إلى اتخاذ قرار نهائي بشأن تقرير مصير جنوب السودان فيما يتعلق بانفصاله عن الشمال وإعلان دولة جديدة، بات طابع مسيحي تضاف إلي دول المنطقة أو بقاء الوحدة.
 
وقال الخبير الصهيوني فى بحثه أن تداعيات الأوضاع في السودان تتخطي حدود البلاد، بل وتمتد لسائر دول منطقة الشرق الأوسط معرباً عن اعتقاده بأنه إذا ما ساءت الأمور في جنوب السودان فأن الأمر قد يصل إلي حد اندلاع حرب أهلية بين الشمال والجنوب بمساعدة أطراف خارجية لها مصالح وحسابات خاصة من وراء اشتعال الأوضاع في السودان.
 
أطماع صهيونية:
 
ومما يكشف أطماع الكيان الصهيوني فى ثروات السودان، خاصة النفط وباقي موارده الطبيعية، أشار جوزنيسكي فى بحثه إلى أن جنوب السودان منطقة معروفة بثرائها النفطي، وأيضا بوجود أغلبية مسيحية ووثنية فيها ، وأن الاستفتاء المرتقب سيقرر ما إذا كان الجنوب سيظل تابعاً للشمال المسلم المتعلق بالنفط والذي يحكم بالشريعة الإسلامية ويريد تطبيقها في الجنوب أيضاً أم سينفصل عنه.
 
مشدداً على أن النفط يلعب دور رئيسي في الأحداث التى تشهدها السودان، خاصة وأن نحو 95% من الدخل السوداني العام يأتي من مبيعات النفط حيث يصل احتياطي النفط في السودان لنحو خمسة مليار برميل معظمها في الجنوب فيما يقوم الشمال بلعب دور كبير في عملية تكرير ونقل النفط، حيث تتركز معامل التكرير في بور سودان والخرطوم.
 
وتحدث جوزنيسكي فى بحثه عن إقليم أيبي المتنازع عليه بين الشمال والجنوب وهو الإقليم المشهور بوجود أكبر كميات من النفط فيه ، مشيراً إلي أن السؤال الذي يشغل بال كافة الأطراف الآن هو لأي سودان سينتمي هذا الإقليم سودان الشمال أم الجنوب وقال أنه في حالة فشل الاستفتاء فأنه من المتوقع إعلان دولة جنوب السودان من جانب واحد وإعلان استقلالها عن الشمال، وأن كافة التوقعات تشير إلي أن انفصال الجنوب أمر غير مستبعد تماماً لكن السؤال الآن كيف سيتم هذا الانفصال وما هو موعده.
 
ترقب دولي:
 
وتوقع الخبير الصهيوني أن يتبع استقلال جنوب السودان قيام أقاليم أخرى في السودان بالمطالبة بالانفصال مثل إقليم كردفان الغني بالنفط وكذلك إقليم دارفور. كاشفاً النقاب عن قيام أطراف خارجية بمراقبة الأوضاع في السودان باهتمام بالغ مثل إيران التي تعمل علي زيادة استثماراتها في السودان وتقوم بدعم نظام الرئيس عمر البشير، خاصة وأن إيران تستخدم الأراضي السودانية في عمليات تهريب الأسلحة للفصائل الفلسطينية ولحزب الله وكذلك لتنظيمات الإسلامية في المغرب العربي، على حد زعمه. فى المقابل أشار إلى إهتمام إسرائيل بالغ بالسودان، وخاصة وأنها تتطلع لأن يكون لها موطئ قدم في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، لكي تتمكن من اعتراض السفن التي تقوم بتهريب الأسلحة إلي غزة وتقوم إيران بتمويلها. وتابع الخبير الصهيوني أن مصر تعد أكثر المتضررين بما يحدث فى السودان حالياً، حيث تخشي من أن تتأثر حصتها في مياه نهر النيل. وأضاف أنه على الرغم من اتفاق السودان ومصر بشأن مياه النيل، لكن الخلاف بينهما مؤخراً بشأن منطقة مثلث حلايب المتنازع عليها بين البلدين أدت إلي ضعف التنسيق بين الطرفين في مواجهة باقي دول حوض النيل، مستبعداً فى الوقت ذاته أن يسهم الرئيس المصري حسني مبارك فى محاولات تمزيق دولة عربية مجاورة مثل السودان. رغم الدعم السابق الذى قدمته القاهرة لجنوب السودان.
 
وسخر الخبير الإسرائيلي فى بحثه من الهدوء الذى تتعامل به جامعة الدول العربية حيال السودان، على الرغم من توقعات اندلاع حرب أهلية.
 
السيناريو الإسرائيلي:
 
وفيما يتعلق بإسرائيل ورؤيتها للأوضاع فى السودان أشار الخبير يوائيل جوزنيسكي إلى أن إسرائيل ستربح كثيراً من وراء انفصال جنوب السودان عن الشمال حيث سترتبط هذه الدولة الوليدة مع تل أبيب بعلاقات دبلوماسية وهو الأمر الذي أكده أكثر من مسئول في جنوب السودان خلال السنة الأخيرة. ومع ذلك توقع أن تزداد معدلات الهجرة غير الشرعية من جنوب السودان لإسرائيل ، في حالة اندلاع حرب أهلية بين الشمال والجنوب. مضيفاً أن هذه الحرب ستؤدي إلي زيادة اللاعبين الدوليين المتدخلين في الشأن السوداني.
 
ويبدو أن الاهتمام الصهيوني بالسودان لم يقف عند هذا الحد، بل حاولت تل أبيب التى تقف وراء مذكرة التوقيف الدولى فى حق الرئيس البشير، بل حاولت أن تلصق تهم رعاية الإرهاب، وتقليب الدول الأفريقية المحيطة ضدها من خلال إثارة الفتن والقلاقل الدينية، باعتبار السودان دولة إسلامية والدول المحيطة بها دول مسيحية، وفى هذا الإطار نشرت دورية سيكور ميموقاد الإسرائيلية المتخصصة في الشئون السياسية والإستراتيجية دراسة أعدها خبيرا الشئون الإستراتيجية ألون ليفين ويوفال بستان ، حملت عنوان " الكتلة المسيحية الإفريقية واحتمالات الصدام مع السودان " مشيرة إلى أن دول الكتلة المسيحية فى منطقة القرن الأفريقي والمحيطة بالسودان ستسعى إلى تقديم الدعم إلى جنوب السودان المسيحي لينفصل عن الشمال الشمال العربي المسلم. وأن كينيا وأوغندا على وجه الخصوص يلعبان دوراً بارزاً حالياً في الأحداث الدائرة داخل السودان حيث بدأت كينيا فى تكثيف تواجد قواتها العسكرية على الحدود مع أوغندا والسودان وإثيوبيا كجزء من الحملة لمصادرة الأسلحة غير المشروعة في الدولة، وهذه االمناطق الحدودية هي مناطق للرعي تستغل من قبل الرعاة في الدول المجاورة وإغلاقها يزيد من صعوبة الرعاة الذين تعوّدوا على حدود مفتوحة. ومثل هذه الحملات تتم بالتعاون مع أوغندا التي تواجه مشاكل مماثلة للمشاكل الكينية – السلاح غير المشروع الذي يتنقل بين الدول المختلفة يجد طريقه إلى المنظمات المتمردة والمنظمات الإرهابية مما يعرّض استقرار الأنظمة وحياة المدنيين للخطر.
 
الجنوب المسلح:
 
وكشفت الدراسة الاسرائيلية النقاب عن سعى دول الكتلة المسيحية المحيطة بالسودان فى السنوات الأخيرة لدعم الجنوب السوداني لكي يستعد لاستئناف الحرب، فعلى سبيل المثال التجارة بين جنوب السودان وأوغندا ازدهرت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. وأنه في أكتوبر 2008 وردت أنباء بشأن قيام السودان باستدعاء سفراء كينيا وإثيوبيا لتقديم احتجاج على الدعم الذي تقدمه إلى جنوب السودان، ، والتى شملت شحنات من الأسلحة التي وصلت للجنوبيين ومن بينها دبابات أوكرانية استولى عليها القراصنة الصوماليين مصادفة فى البحر الاحمر ،ولم يتم الافراج عنها إلا بعد دفع فدية قدرت بنحو 3.5مليون دولار، فى مقابل الافراج عن الدبابات من طراز T-72وبلغ عددها 33 دبابة، والتى تعتبر دبابات حديثة لحد ما بالنسبة للساحة السودانية ، وفي حادثة أخرى جرى نقل طائرة نقل أسلحة من كينيا إلي جنوب السودان أيضا ، وحسب مصادر صحفية أمريكية فقد نجاح جنوب الســودان فـي تخزين أسلحة متطورة من دبابات وغيرها وهي كمية يمكن أن تكسر معايير التوازن بين الجنوب والشمال. ويبدو أن أموالا غربية تقف من وراء المشتريات الأسلحة فى جنوب السودان، وأن هناك تدخل من جانب عناصر إسرائيلية فى عدد كبير من تلك الصفقات، وهذا ما أكدت عليه صحيفة هاآرتس العبرية بتاريخ 13/1/2009 فى تقرير خاص أعده الكاتب الصحفى يوسي ميلمان تحت عنوان"القراصنة يخطفون سفينة أسلحة يمتلكها إسرائيليون".
 
مكاسب صهيونية:
 
وعلى ضوء ماسبق يتوقع الكيان الصهيوني بأن استئناف الحرب بين الشمال والجنوب ستكون هذه المرة أشد وطأة وأكثر عنفاً وضراوة من أي وقت مضى، وذلك على ضوء تداخل المصالح الاقتصادية ومصالح الدول الكبرى والسلاح الحديث الذي يتدفق على الساحة، بالنسبة لكتلة الدول المسيحية .
 
فمثل هذه المعركة ستكون حاسمة، حيث ستفصل الجنوب المسيحي عن الشمال الإسلامي وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف حكومة الخرطوم وعلى وجه الخصوص من الناحية الاقتصادية.
 
على أية حال فإن تقسيم السودان يعتبر فرصة سانحة بالنسبة لإسرائيل، والذي سيسهم فى تحقيق بعض أهدافها، والتى من بينها إضعاف السودان كدولة داعمة للمقاومة العربية سيضر بمكانة إيران في إفريقيا التي تعززت خلال السنوات الأخيرة، وهو ما سيسهم بالتالي فى الحرب التى تشنها إسرائيل ضد طهران، فى دول مختلفة من العالم. كما أن خلق دولة جديدة مسيحية في جنوب السودان والتي سبق لها وأن استعانت في الماضي بإسرائيل ، وهي دولة تمتلك ثروات نفطية، سيتيح لإسرائيل إمكانية أخرى لحل مشكلة النقص في مجال الطاقة. أخيراً ترى إسرائيل أن نجاح الصراع ضد الأصولية الإسلامية فى السودان سيساعد على تنمية إفريقيا، وسوف يؤدي إلى وقف تدفق موجة الهجرة القادمة إليها، علاوة على غلق طرق تهريب السلاح للمقاومة فى فلسطين.
 
ختاماً نشير إلى أن الأطماع الصهيونية فى السودان ليست وليدة اليوم أو الأمس فقط، بل سعت إسرائيل منذ الستينات من القرن الماضي لأن تضع لها موطئ قدم بها، لتحكم حصارها وخناقها للدول العربية المجاورة لها، وبخاصة مصر من جهة، ولكي تستفيد من الثروات الطبيعية التى تتمتع بها السودان من جهة أخرى، لكن يبدو أن المخطط الصهيوني طويل الأجل قد بدأ يؤتي ثماره، وسوف تتواجد إسرائيل بقوة على الساحة السودانية الجنوبية فور الإعلان عن انفصال الجنوب عن الشمال، ليتم مواصلة المخطط الصهيو أمريكي لتقسيم الوطن العربي وتحويله لدويلات متناحرة، يكون من السهل التحكم فيها والسيطرة عليها، والنموذج العراقي ليس عنا ببعيد.
 
كاتب مصري وخبير فى الشئون الإسرائيلية.
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م