تقرير من شمال سيناء : شريف عبد الحميد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 آلاف "جهادى" يسعون إلىتحويل سيناء لساحة مواجهة مع الصهاينة مقابل ألف "تكفيرى" ينبذهم الأهالى
<< الجماعات الجهادية تؤكد في بيان العيد : "أطلقنا صواريخ على إيلات"
<< المشهد فى سيناء مرتبك وغير واضح المعالم.. والأهالى يرون أن دور الجيش مواجهة الصهاينة لا مطاردة "الجهاديين"
<< التنظيمات الجهادية فى سيناء: لا نوجه أسلحتنا إلا إلى جيش العدو الصهيونى
<< النتيجة الوحيدة التى حققتها العملية "نسر" حتى الآن هى إهانة المواطنين السيناويين والاعتقالات العشوائية
يبدو المشهد فى سيناء الآن مرتبكًا وغير واضح المعالم، ويقول بعض أهالى سيناء الذين التقيناهم إن التعلل بمطاردة من يسمَّون "الإرهابيين" و"التكفيريين" هو إهانة للجيش الذى يجب أن يكون هدفه الأول هو الاستعداد للعدو الصهيونى على الجانب الآخر من الحدود.
ويقول آخرون أن التضخيم من حجم هذه الحملة –رغم أهمية ضبط الأمن فى سيناء- وسعى بعض وسائل الإعلام للبحث عن أى "انتصار وهمى" للجيش وقوات الأمن من وراء هذه العمليات؛ يجعلان الدولة تدير الأزمة بنفس تفكير نظام "المخلوع" السابق.
وما يحدث فى سيناء -كما عايشته "الشعب" ميدانيًّا- هو أن الجيش المصرى يحارب "الكثبان الرملية"، ويقال إن القادة العسكريين أنفسهم لا يعرفون من يقاتلون؛ لأن العدو وهمى وغير متوحد فى فريق محدد، بدليل الحديث عن استهداف 15 بؤرة إرهابية لأكثر من جهة من الإرهابيين وتجار السلاح وغيرهم!.
مداهمة المنازل واعتقال العشرات
ويقول بعض البدو لـ(الشعب) إن النتيجة الوحيدة التى حققها الجيش فى سيناء حتى الآن هى الاستمرار فى إهانة المواطنين السيناويين، ومداهمة المنازل، واعتقال العشرات من قبل قوات الأمن، والتحقيق معهم فى أماكن غير معلومة، بأسلوب لا يختلف عن أسلوب أمن الدولة فى عهد "المخلوع"، بل وتلفيق القضايا، كما حدث مع 5 من شباب جماعة "أهل السنة والجماعة"، وتلفيق قضايا حرق الأقسام قبل الثورة لهم، وكانت الضربة القاسمة للأمن هو أن اثنين من المقبوض عليهم كانا معتقلَيْن أثناء الثورة، وفق ما صرَّح به لـ"الشعب" إمام أهل السنة والجماعة بسيناء الشيخ أسعد البيك.
إلا أن آخرون يرون أن الحملة مع هذا تعيد الأمن ضمنًا إلى سيناء وتظهر وجود الدولة التى اختفت السنوات الماضية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأنها مفيدة فى كشف عدد من مخابئ الأسلحة وفرض السيطرة على مناطق كانت غائبة عن سيطرة الدولة.
ويقول بعض أهالى سيناء إن إعلامنا تصدر واجهة التضليل مرة أخرى، كما كان يحدث أيام حكم "المخلوع"، واتخذ من حادث "رفح" الإجرامى مبررًا ليوهم الشعب بأن حملة الجيش فى سيناء التى حملت اسم "نسر" هى لتطهير سيناء من "الإرهابيين" و"التكفيريين"، فى حين أن الفاعل الحقيقى للمجزرة هو العدو الصهيونى ووحداته المستعربة، ولطمس حقيقة بعض التنظيمات الجهادية فى سيناء التى أعلنت مسئوليتها عن الهجوم على دوريات إسرائيلية ونسف خط الغاز المصرى المغذى لإسرائيل.
ويتساءل الناس فى شمال سيناء عن أسباب مداهمة المنازل واعتقال العشرات، دون تقديم أدلة أو معلومات عن الجانى الحقيقى فى أحداث رفح؛ حيث لا يوجد متهم مصرى واحد فى الأحداث، ولم يخرج مسئول أمنى ليوجه اتهامات بأدلة حقيقية إلى أشخاص معينين، لتبدأ عملية المحاسبة.
سيناء تحت حكم قانون الطوارئ
والآن.. كيف اشتعلت شرارة الأحداث؟ وهل تعيش سيناء تحت حكم قانون الطوارئ؟
بداية الأحداث -كما يرويها بعض الشهود من سيناء- كانت يوم "جمعة الإرادة الشعبية" يوليه 2011؛ حين تظاهر التيار الجهادى فى سيناء تأييدًا لتطبيق الشريعة فى مصر، وأثناء مرورهم أمام مركز الشرطة قيل إنهم تعرضوا لإطلاق نار من جهة الشرطة، وإنهم اضطروا إلى الرد دفاعًا عن النفس، أما رواية الشرطة فتقول إنهم هم الذين بادروا بالهجوم على أقسام الشرطة، فيما يقول آخرون إن "طرفًا ثالثًا" افتعل هذا الصدام لأهداف خفية!.
والحقيقة أن التيار "الجهادى" موجود فى سيناء منذ أيام "المخلوع"، وأغلب معتقلى شمال سيناء هم من الجهاديين، وقد وقعت اشتباكات عديدة بينهم وبين الأمن. وكان النظام السابق يعتم على تلك الاشتباكات ويظهرها كأنها اشتباكات مع البدو؛ نظرًا إلى حساسية المنطقة، بصفتها بوابة خلفية للعدو الصهيونى.
جبل الحلال
وتتمركز التنظيمات الجهادية فى منطقة "جبل الحلال"، وهى منطقة صعبة ووعرة تواجه القوات المسلحة صعوبات فى اقتحامها؛ ما جعل الجيش الشرطة يستعينان بالقبائل فى سيناء، وفى مقدمتها قبيلتا "الترابين" و"السواركة"؛ لأنهما من أكثر القبائل معرفةً بالمنطقة الجغرافية المحيطة بجبل الحلال، الذى يزيد ارتفاعه على 1800 متر، بعمق 60 كيلومترًا، وتحيطه مناطق أكثر وعورة؛ ما يجعل مهمة قوات الأمن صعبة جدًّا فى مطاردة تلك التنظيمات.
والجبل يمتد من منطقة الفالوجة بالقرب من قناة السويس حتى شمال مدينة العريش، ومن منطقة وسط سيناء حتى عمق صحراء النقب داخل الكيان الصهيونى.
وتبلغ مساحة المنطقة إجمالاً 60 كيلومترًا طولاً فى 40 كيلومترًا عرضًا، وتتسم بوعورة تضاريسها؛ علمًا أنه حينما احتلت قوات العدو الصهيونى سيناء، فشلت فى إلقاء القبض على أبناء البدو الذين كانوا يختبئون فى هذه المنطقة ويستخدمونها قاعدةً لضرب الأهداف الإسرائيلية آنذاك.
ومثلما كان الجبل صداعًا للصهاينة، فإنه بات يمثل عقبة كبيرة أمام الأمن المصرى لمنع التنظيمات الجهادية من اتخاذه ملاذًا آمنًا لهم.
ثلاثة آلاف جهادى
وتُقدَّر أعداد المختبئين فى الجبل نحو ثلاثة آلاف مسلح من عناصر "السلفية الجهادية" ينتمون إلى جميع القبائل، وهى تستغل تحصينات الجبل الذى يضم مغارات وكهوفًا وشقوقًا يصل عمقها أحيانًا إلى 300 متر .
ومن المعلوم للناس هنا أن التنظيمات "الجهادية" تريد تحويل سيناء إلى جبهة مفتوحة ضد العدو الصهيونى، بعد انسحاب زبانية أمن الدولة مع رئيسهم "المخلوع"، الذى كان يعطى التعليمات بقمع كل من يتحرك على الأرض ويحمل فى عقله نوايا "جهادية" ضد العدو الصهيونى، كما أن انفتاح جبهات السلاح المُصدَّر إلى سيناء، أغرق المنطقة بنوعيات تسليح ذات كفاءة تفوق القوة التى يمتلكها الأمن المصرى فى المنطقة "ج" التى رسمتها "كامب ديفيد" بدون قوات مسلحة مصرية.
التكفيريون منبوذون
أما "التكفيريون" فمن الصعب تقدير العدد الفعلى للمنخرطين فى هذه الجماعات، فى سيناء، ولكن يرجح أن عددهم يتراوح بين 500 و1500 شخص، وينتشرون بمناطق قرى جنوب الشيخ زويد ورفح، ومناطق محدودة بوسط سيناء.
و"التكفيريون" منغلقون على أنفسهم وفى مرحلة ما بعد الثورة، رأوا أن فرصتهم قد حانت للثأر لمن قتَل منهم أو عذَّب أو نكَّل بأسرته فى أحداث تفجيرات سيناء عام 2005، فى عهد نظام النخلوع، الذى طواله اعتقل عدد منهم تمت وتصفية آخرين.
ورغم أن المنتمين إلى "التكفيريين" من أبناء القبائل، فإنه تم نبذهم من ذويهم وأسرهم؛ نظرًا إلى تكفيرهم المجتمع، إضافة إلى ما كان يسببه وجودهم لذويهم فى عهد النظام السابق؛ إذ كانت مباحث أمن الدولة تحتجز أمهاتهم وآباءهم للضغط عليهم لحضورهم وتسليم أنفسهم، رغم الاختلاف الكلى بين نهج الطرفين، ولكن بعد الثورة تراجع الفكر التكفيرى بسيناء.
ثلاثة تنظيمات جهادية
الحقائق تؤكد وجود ثلاثة تنظيمات جهادية رئيسية فى سيناء؛ هى: "الجماعة السلفية الجهادية"، و"مجلس شورى المجاهدين فى أكناف بيت المقدس"، و"أنصار بيت المقدس"، وكلها ترفع راية الجهاد فى وجه الصهاينة. ولا يُحمَل السلاح فى عقيدتهم إلا ضد العدو الصهيونى القابع خلف الحدود، وليس استهداف قوات الأمن المصرية، وهى تنفى تمامًا أى صلة لها بمذبحة رفح.
ويرجع تاريخ الجماعات الإسلامية بسيناء إلى بداية الثمانينيات، مع انسحاب قوات الاحتلال الصهيونى، وفقًا لبنود "معاهدة السلام" التى حوَّلت الكيان الصهيونى من "محتل" يجب مقاومته، إلى "دولة جوار"، فبرزت فكرة الجهاد ضد الاحتلال الصهيونى لأرض فلسطين بين أبناء المنطقة الحدودية على وجه التحديد؛ لاقترابهم من الحدود.
وفى هذا الشأن، أظهرت بيانات صدرت خلال الأيام الماضية تصميم التنظيمات الجهادية على مواصلة توجيه الضربات الصاروخية باتجاه الكيان الصهيونى وقواته على الحدود انطلاقا من سيناء.
وجاء فى بيان العيد الذى أصدرته جماعة سلفية جهادية تأكيد لهذا الدور بقولهم: "وفق الله إخوانكم المجاهدين فى جماعة (أنصار بيت المقدس) فى إطلاق صاروخين (جراد) على مدينة أم الرشراش (إيلات). ولقد أحكم الإخوة التوجيه واتخذوا كافة الأسباب لسقوط الصاروخين على أهداف مأهولة، ودلل عليه حالة الذعر الكبيرة التى انتابت اليهود هناك".
وتؤكد بعض المصادر المطلعة فى شمال سيناء، أن مذبحة رفح هى مؤامرة أمنية مخابراتية صهيونية؛ لتحقيق أهداف باتت معلومة ومكشوفة للجميع؛ هى: وقف ومنع العمليات الجهادية ضد الكيان الصهيونى انطلاقًا من سيناء، عبر تحريك الجيش ليدخل فى مصادمات مع هذه الجماعات، وحماية حدود الكيان الصهيونى.
أيضًا من أهداف هذه العملية إعادة تصدير الغاز إلى الكيان الصهيونى، وإعادة الصفحة السوداء فى العلاقة مع الفلسطينيين فى غزة، والوقيعة بين أهالى سيناء والمجاهدين ضد العدو الصهيونى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق