كتب - عبد الباقي خليفة*
لا شك أن المحاثات مع طالبان، أصبحت قناعة جميع المشاركين في العدوان على أفغانستان، وبالتالي فإن المقاومة في أفغانستان، حققت أهدافها أكثر منها في العراق. وبقي عليها الحذر من الألاعيب، ومنها المشاركة في الحكم، في ظل وجود الاحتلال. وربما هي لعبة لتوريط قيادات في أفغانستان في لعبة المشاركة في الحكم لتكرار خديعة الصومال. فقد تم تقسيم المقاومة الصومالية بين محورين، بعد أن كانت لقمة أكبر من أفواه الامبريالية النتنة.
-------------------------
هناك أربعة أوجه للهزيمة الأمريكية في أفغانستان، أولها الهزيمة العسكرية التي تعكسها أرقام الخسائر البشرية في صفوف الجنود الأمريكيين. والثانية الهزيمة الانسانية وتتمثل في عدد الضحايا من المدنيين ضحايا الهمجية الأمريكية، والثالثة: الهزيمة الإقتصادية، والخسائر المالية التي ينفقونها"....
ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون" والرابعة، الهزيمة الفكرية والاستراتيجية، فجميع تنظيراتهم وخططتهم باءت بالفشل، وعادت عليهم وعلى من تبعهم بالوبال والخسران، سواء في العراق، أوأفغانستان أوغيرها. ويبدو أن الأمريكان والغرب عموما في حالة تراجع على مختلف المستويات ، لصالح روسيا، والصين، وايران. وجهات أخرى، تتلمس بتوئدة مواقع أقدامها وسط حقول ألغام كثيرة.
جرائم متواصلة:
وفي الجانب المدني والانساني، يتواصل سقوط الضحايا من المدنيين، في أفغانستان، وباكستان، ففي يوم واحد ( 14 أكتوبر2010 م) قتل 8 أشخاص دفعة واحدة، بصواريخ الاحتلال . وخلال الفترة ما بين 3 سبتمبرو 14 أكتوبر الماضيين قتل أكثر من 150 مدنيا .
وكشفت صحيفة لوتون، السويسرية، في تحقيق لها بتاريخ 2 أكتوبر الماضي أن "الامم المتحدة تكتمت عمدا على تقرير حول انتهاكات كثيفة لحقوق الانسان في أفغانستان، في حقبتي الاحتلال السوفياتي، والأطلسي بزعامة أمريكا " فضاعات، وتعذيب، ونهب، وعمليات اغتصاب متكررة، وتجنيد أطفال".
خسائر متفاقمة:
لقد وصل عدد القتلى في عام 2010 م ( وحتى العشر الأوائل من نوفمبر إلى نحو 700 قتيل ) حيث يقتل جنديين أمريكيين كل يوم تقريبا. ومنذ بداية الاحتلال سنة 2001 م حتى 25 أكتوبرالماضي قتل 2170 جنديا للاحتلال الذي تقوده أمريكا، في أفغانستان، مقبرة الغزاة . وإذا راجعنا عدد قتلى الاحتلال منذ العدوان سنة 2001 م نجده في تصاعد يفضي للهواية التي تجد أمريكا نفسها تتخبط في صعدها ( بضم الصاد والعين وكسرالدال). فقد قتل 58 جنديا للاحتلال في عام 2003 م ، وفي 2004 م قتل 60 جنديا، وفي 2005 م قتل 131 جنديا، وفي 2006 م قتل 191 جنديا، وفي 2007 م قتل 232 جنديا، وفي 2008 م قتل 295 جنديا، وفي 2009 م قتل 521 جنديا. وكان معظم القتلى من الأمركيين الذين يمثلون ثلثي عدد قوات الاحتلال البالغة نحو 150 ألف جندي . حيث خسر الامريكان 1348 جنديا، وهو سجل مفتوح تجاوز فيه عدد القتلى هذا الرقم عند النشر. ولا يعرف عدد الجنود الأمريكان الذي سيسقطون حتى يوليو القادم موعد بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.حسب خطة الرئيس الأمريكي براك حسين أوباما.
سرعة خروج الاحتلال رهن بنوعية خسائره:
إن تصاعد الخسائر البشرية للاحتلال، ولوازم الإحتلال المالية، هي وحدها الكفيلة بدفع العدوان، والتعجيل بالإنسحاب من أفغانستان. وهوالخيارالوحيد المتاح أمام الاحتلال، إذ أن المكابرة ستزيد من خسائره وهزائمه على مختلف الأصعدة. وقد بدا الاحتلال يدرك ذلك ويمهد للانسحاب من خلال العديد من التصريحات، ومن بينها ما ذكره قائد قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، الجنرال ديفيد بتريوس، الذي أشار في حديث مع ، شبكة سي ان ان، إلى امكانية انسحاب قوات الاحتلال من أفغانستان، خلال عام .واعترف بصعوبة الانتصار في أفغانستان " لا يمر يوم في أفغانستان دون أن نسمع أنباء سيئة " مؤكدا ما ذهبنا إليه بأن الخسائر وحدها الكفيلة بدفع واشنطن للتعجيل بالانسحاب" المقياس الحالي، يعتمد على تحديد نسبة الأخبارالسيئة، مقابل الأخبارالجيدة " زاعما أنهم يخرجون من الهاوية ، بينما الهاوية مستقر المهزومين" يمكن القول الآن أننا في طورالصعود من الهاوية " بينما الأرقام تؤكد أنهم يهوون في الهاوية، ويغرقون في المستنقع أكثر فأكثر.
خسائر مهمة للاحتلال:
أحد أسباب الخسائر المتفاقمة للاحتلال في أفغانستان، تقلص الخدمات اللوجستية التي كانت توفرها له، بعض المنظمات العاملة تحت لافتة الإغاثة، و( العمل الانساني ) في أفغانستان، والفرق المدنية التابعة له، والتي تدخل بيوت الأفغان في المدن والقرى، في محاولة لتغييرالثقافة المحلية السائدة، وزرع حب نمط الحياة في الغرب، بعد أن أثبتت التجربة أن التغريب يساوي الاستسلام للمحتل سواء كان احتلالا مباشرا كما هو الحال في العراق وأفغانستان. أواحتلالا غير مباشر كما هو الحال في معظم البلاد الاسلامية المسماة (مستقلة ) مجازا .
بينما أراضيها ومجالها الجوي وحدودها البحرية وسيادتها وحتى عملتها وثرواتها تحت تصرف المحتل الخفي الظاهر. وفي هذا الإطار تأتي جولات المجندات الأمريكيات على منازل الأفغان في غياب الرجال لإقناع النساء بتغيير نمط حياتهن، بقطع النظر عن موقفنا من ذلك، ولكن لا يوجد محتل يريد الخير لمن يحتله. فالاحتلال شر كله، ولا يوجد شعب حر يقبل به، تحت أي ذريعة كانت. وإنما يفعل الاحتلال ما يفعله، من أجل تكريس سيطرته، وضمان تبعية الضحايا، تبعية عمياء، لا يملكون في ظلها إرادة الاختيار، وإنما الاستجابة للاملاءات، وهذا ما نراه حتى في ( دولنا المستقلة ).
ومن الأساليب التي يعتمدها الاحتلال لتكريس، هيمنته على المجتمع الأفغاني، ومحاولة تسجيل انتصار وهمي على ثقافة الأفغان، تلك المسرحية المتمثلة في مباراة كرة القدم بين فريق نسائي تابع لقوات الاحتلال، وفتيات أفغانيات، يبدوأن معظمهن جئن من الخارج بغرض الصورة التي تم صنعها ومن ثم بثها .
لقد كشف الاحتلال عن لعبة ( الإغاثة ) دون أن يشعر، وذلك من خلال الهيستيريا التي تتملكه ، وتشل قدرته على التفكير، فيبادر باستخدام القوة ، فيقضي على من أراد إنقاذهم، ويضع البقية في دائرة الاستهداف. وتمثل المحاولة الفاشلة لإنقاذ ( عاملة إغاثة ) في أفغانستان، باستخدام القوة، واحدة من حالات الإرباك التي تنتاب قوات الإحتلال عندما، يغلق مكتب ( إغاثة )، أو يؤسرعامل ( إغاثة ) كما حدث يوم 9 أكتوبرعندما تسبب عملية عسكرية غبية لانقاذ عاملة إغاثة بريطانية تدعى ، ليندا نورغروف، في موتها. ولم يقف الأمر في الجانب العسكري، بل تعداه إلى الموقف السياسي، فوزير خارجية بريطانيا عبر عن أسفه لمقتل نورغروف، ودافع عن العملية العسكرية، بزعم أن حياتها في خطر، ولم يعلم ( الفالح ) أن موتها كان الهدف ( ب ) من العملية العسكرية . أي أن لديها معلومات مهمة ، من شأن البوح بها، المساهمة في إفساد مخطط الاحتلال ، ولم يقدم الاحتلال على دفع فدية لانقاذها، أومبادلتها بأسرى لطالبان لأن أصلها، روسي، غير أوروبي، أي لا تجري دماء، انجلو سكسونية، في عروقها. ودعك من الدساتير والقوانين التي لا تفرق على أساس العرق، فالعرف أقوى من أي شئ آخر.
الظلم العنصري والعدل الإلهي:
العرف، هوالذي غلب أيضا في آخر المطاف، فبعد انتخاب باراك حسين أوباما، قيل إن أمريكا انتصرت على عنصريتها، لكن ذلك كان يخفي غليانا في الجانب الآخر. وظهرت نتوءات عنصرية، تهدد أوباما بالقتل. واستطلاعات رأي تشكك في عقيدة أوباما، وما إذا كان مسلما. وأعلن بعدها عن تراجع في شعبية أوباما، ثم خسارة الانتخابات أمام الحزب الجمهوري، وقيل أن الوضع الاقتصادي، وفشل أوباما في حل المشكلات الاقتصادية الناجمة عن سياسات سلفه بوش والحزب الجمهوري، وراء تراجع شعبيته . لكن الحقيقة أن تدهورالوضع الاقتصادي، واضطرار الإدارة الأمريكية، لطبع مليارات الدولارات، في مغامرة ستضر باقتصاديات كثيرة، في مقدمتها الاقتصاد الأمريكي،( في حال لم تؤد الخطوة إلى ما أريد لها، وهو تشجيع الاستهلاك ) ومنها الاقتصاديات الخليجية . لقد تم غض الطرف عن لون أوباما وأصله الافريقي، لكن لم يتم التغاضي عن دين أوباما الذي كرر مرارا أنه نصراني. ولكن غض الطرف لم يستمر طويلا، فقد ( اكتشف ) الأمريكيون أن أوباما أسود، بعد أن فشل في وعوده بالتغيير الاقتصادي. وأنى له الوفاء بوعوده وشركات السلاح والخدمات العسكرية، لا تزال تجني الأرباح من العدوان على أفغانستان .
وذلك على حساب دافع الضرائب الأمريكي، وعلى حساب المواطن الاميركي، فقد أكدت بيانات رسمية أن الاقتصاد الأميركي يفقد نحو 100 ألف وظيفة شهريا.ووصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 10 في المائة ، وهناك نحو 20 مليون عاطل عن العمل في أمريكا لوحدها، و40 مليون عاطل في أوربا. وهناك مصادر روسية تتوقع ومنذ فترة، انهيارالولايات المتحدة الأمريكية، لتصبح 52 دولة ، وهوتوقع يسبعده بعض من كانوا يسبعدون انهيار الاتحاد السوفياتي، قبل انهياره فعليا بعدة سنوات .
ولا يقف العدل الإلهي، عند ذلك الحد فهناك خسائر أخرى تتمثل في إصابة جنود الاحتلال بأمراض غامضة ، فقد كشف تقرير أعدته لجنة تحقيق عسكرية أن الجيش الأمريكي يواصل استخدام وسائل خطرة للتخلص من مخلفات المهام العسكرية في قواعده بالعراق وأفغانستان ، مما يعرض الجنود للمخاطر الصحية.ومنها الأورام الخبيثة، وأمراض الجهاز التنفسي، واستنشاق الجنود مواد سامة بسبب استخدام وقود الطائرات لتحفيز النيران .إلى جانب فقدان الذاكرة ، ونقص التركيز، والصداع المزمن، ومشاكل المعدة، وتشوهات أخرى. وتحتاج هذه الحالات لنحو 60 مليون دولار سنويا وفقا لمحطة السي ان ان .
الانسحاب قادم ولكن حذار:
ربما لهذه الأسباب وما تم ذكره في السطور الماضية، أعلنت كل من بريطانيا، وايطاليا، بدورهما بدء سحب جنودهما من أفغانستان العام القادم 2011 م. أي أن هناك انسحاب شامل لجميع الدول المشاركة في العدوان . بعد أن تواترت الشهادات على استحالة تحقيق الاحتلال النصر الذي ينشده . ومن ذلك ما أعلنه آخر رئيس للاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، الذي يعرف ماذا يعني العدوان على أفغانستان ، فقد ذاق هو الآخر، طعم الهزيمة على أرضها، كما ذاقتها الامبراطورية البريطانية. لقدأكد جورباتشوف،على أنه " من المستحيل على حلف شمال الأطلسي تحقيق نصر عسكري في أفغانستان". ودعا أمريكا إلى سحب قواتها" إذا أرادت أن تتجنب فيتنام أخرى " وأن " أفضل ما يمكن تحقيقه هو مساعدة أفغانستان على إعادة بناء نفسها بعد الحرب" وتابع " ارسال نصف مليون جندي لن يجدي نفعا،لأن النصر مستحيل"وأكد وزير خارجية ايطاليا فرانكو فراتيني، بدوره في 12 أكتوبر الماضي على أن قوات بلاده ستبدأ الانسحاب في 2011 م وتنهيه في 2014 م ، زاعما أن جنود بلاده في أفغانستان لحماية ايطاليا، فمن سيحمي ايطاليا بعد انسحابهم من هناك ؟!
لا شك أن المحاثات مع طالبان، أصبحت قناعة جميع المشاركين في العدوان على أفغانستان، وبالتالي فإن المقاومة في أفغانستان، حققت أهدافها أكثر منها في العراق. وبقي عليها الحذر من الألاعيب، ومنها المشاركة في الحكم، في ظل وجود الاحتلال. وربما هي لعبة لتوريط قيادات في أفغانستان في لعبة المشاركة في الحكم لتكرار خديعة الصومال. فقد تم تقسيم المقاومة الصومالية بين محورين، بعد أن كانت لقمة أكبر من أفواه الامبريالية النتنة.
ويخشى أن ينجر بعض الأفغان لهذه الطاحونة ، فيطحن بعضهم بعضا، ويتخلص منهم الاحتلال . فبقاء المجاهدين الأفغان موحدين، يجب أن يكون الهدف الأول والأخير، للقيادات على مختلف مستوياتها . إذ أن العدو له خبرة واسعة ، ومستشارين كثر، ومراكز بحث، ومعاهد سياسية وعملاء لا يبخلون عليه بالمشورة ليرضى عنهم، رغم أن شره سيشملهم في نهاية المطاف،إن نجحت خططه.
إن الاحتلال قد يكون في طور الصعود من الهاوية، من خلال اعلان الانسحاب، دون الشروع فيه، وهوينتظر يد طالبان لتمتد إليه، فإن تركته يخرج من البلاد مهزوما، فقد أنقذت نفسها وبلادها،وأمريكا والشعب الأمريكي، وحققت النصر الكامل. وإن هي مدت إليه يدها وهو في الهاوية، فإنه لا محالة سيصعد، وتسقط هي في الهاوية لا قدر الله.
كاتب إسلامي من المغرب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق