تنفس حزب الأغلبية الحاكم الصعداء حين وافقت الجمعية العمومية لحزب الوفد بأغلبية لم تتجاوز 56 بالمائة، على المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب. وسقطت بذلك عقبة كأداء أمام دعوة المقاطعة التى اجتاحت صفوف المعارضة ــ ظاهريا على الأقل ــ وأيدتها أعداد كبيرة من قيادات الوفد ورموزه الذين رأوا فى دخول الانتخابات بغير حد أدنى من ضمانات النزاهة والشفافية، مساندة للحزب الوطنى فى أساليبه المعروفة فى التزوير والمغالطة والرغبة العارمة فى الاكتساح والاستئثار بالسلطة!
ولا يكشف عن نوايا الحزب الحاكم فى معركة الانتخابات القادمة غير رده المراوغ على مطالب ائتلاف أحزاب المعارضة بما فيها الوفد، التى عبر فيها عن اتفاقه على شروط النزاهة المطلوبة لإدارة عملية انتخابية حرة، إلا أنه مع ذلك يرفضها لأنها تحتاج إلى تشريعات أو قرارات إدارية.. يعنى ــ إن شاء الله ــ فى المستقبل بعد الانتخابات البرلمانية والرياسية بعد عمر طويل.. إذ إن الرفض الصريح لهذه المطالب كان من شأنه أن يفقد الحزب الوطنى شرعيته ومصداقيته فى الخارج والداخل.
ونحن ننظر حولنا فيما يجرى فى العالم، فلا نرى مثيلا للحالة الانتخابية التى تشهدها مصر حتى فى أفغانستان. سواء بالنسبة لحزب الأغلبية الذى يحكم، أو بالنسبة لأحزاب المعارضة التى تخشى مواجهة الواقع السياسى بكل معطياته المريرة وحساباته الفاسدة. وقد كان ظاهرا للعيان منذ البداية أن الحزب الحاكم ليس على استعداد لتغيير موقفه والاستجابة لمطالب المعارضة خوفا من نتائج غير محسوبة. وأن أغلبية أحزاب المعارضة وعلى رأسها الوفد والتجمع والإخوان والناصرى مازالت تراودها أحلام يقظة انتخابية.
ويبدو من الغريب أن يخفى كل واحد منها أهدافه ونواياه الحقيقية. ويطلق التصريحات المتضاربة فى اتجاهات مختلفة لخداع الآخرين ولكن ليس لخداع الحزب الحاكم الذى تخترق أجهزته جميع التشكيلات والتنظيمات، ويعرف ما تخفى الصدور!!
وقد كانت المواقف المائعة والماسخة لأحزاب المعارضة منذ البداية، مثار سخرية وعدم تصديق من الرأى العام حتى تؤخذ مأخذ الجد. وظل التلويح بالمقاطعة وعدم المقاطعة حديثا تلوكه الصحف ويخضع لبورصة الصعود والهبوط.. ربماكان حزب الجبهة الوطنية والجمعية الوطنية للتغيير هما الفئتان الوحيدتان اللتان تمسكتا منذ البداية بالموقف الذى أعلنه البرادعى وهو مقاطعة الانتخابات إلا إذا جرى تغيير شروط الممارسة الانتخابية ورفع الأمن يده عن العملية الانتخابية بكل أبعادها. ومع ذلك فلم يخل الأمر فيهما من انقسامات وخلافات شخصية فى جوهرها. وهى آفة الآفات فى معظم الأحزاب والتجمعات السياسية فى مصر.
حيث يغيب التوافق والإيمان بالديمقراطية وقبول الحلول الوسط. وتغلب على بعضهم حب الزعامة والشخصانية ولو أدى الأمر إلى انهيار وهدم البناء من أساسه!
لم يعد المشهد الانتخابى الآن فى حاجة إلى كثير من التنبؤات أو انتظار القرارات من أحزاب المعارضة وهل تقاطع أو تشارك. فقد نجح الحزب الحاكم فى كسب نصف المعركة وهى إعطاء العالم انطباعا بأنه لم يمنع مشاركة القوى السياسية من ممارسة حقوقها الانتخابية. وبقى النصف الآخر وهو محاصرة الإخوان المسلمين فى الدوائر التى يترشحون فيها والتعاون على إقصائها حتى لا يحصلوا على نفس نسبة المقاعد التى حصلوا عليها قبل ذلك.
ومع ذلك يظل الخوف والتحسب من القوى الافتراضية التى تلتف حول الجمعية الوطنية للتغيير وتساير ما ينادى به البرادعى، وكلهم من شباب المدونات والناشطين السياسيين الذين أضناهم البحث عن طريق ثالث، يسيطر على الحزب الحاكم. وحين يصل الأمر إلى درجة القبض على شاب من مؤيدى البرادعى واحتجازه يومين قبل سفره إلى لندن لدراسة الطب، بهدف استجوابه مخافة أن يكون على اتصال بقوى خارجية ضد النظام.. فإن الأمر يدل على خلل فى التفكير وانعدام الثقة فى النفس والنظام.
ومع ذلك تظل الحجة التى ترى أن مقاطعة الانتخابات تفتح الباب أمام مصراعيه للتزوير، حجة مهلهلة. تدل على ضعف المعارضة وتفككها وهوانها على نفسها بحثا عن غنائم سريعة. ولا يهمها العمل على بناء نظام ديمقراطى، وإرساء قيم الممارسة الحقيقية لعملية انتخابية نزيهة ولو تأجلت لسنوات أخرى.
صحيفة الشروق
20/9/2010م
0 التعليقات:
إرسال تعليق