الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

الضربات الجوية لن تهزم "الدولة الإسلامية"



بقلم: لينا الخطيب* - مركز كارنيغي:
أصبحت بريطانيا آخر دولة غربية تنضمّ إلى التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن صوّت البرلمان يوم الجمعة الماضي على تأييد التدخّل العسكري البريطاني في العراق من خلال الضربات الجوية.
ويأتي تصويت البرلمان البريطاني بعد وقت قصير من الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأربعاء قبل الماضي، والذي أكّد فيه على التهديد الذي يشكّله تنظيم الدولة الإسلامية لبريطانيا، وأيّد القيام بعمل عسكري يقوم على "الإعداد الدقيق"، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة "عدم التسُّرع في الانضمام إلى الصراع من دون خطة واضحة".
وبذلك يبدو أن بريطانيا ترغب في إعتاق نفسها بعد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في غزو العراق في العام 2003. ومع ذلك فإن دخول الصراع من خلال الضربات الجوية في العراق هو في حدّ ذاته مؤشّر على عدم وجود خطة واضحة لدى بريطانيا على وجه الخصوص ولدى التحالف المناهض للدولة الإسلامية ككل. وكما يبدو الأمر حالياً، فإن خطّة التحالف تنطوي على مخاطر كبيرة بأن تأتي بمحصلات عكسية.
تسند بريطانيا مشاركتها المحتملة في العراق إلى الشرعية التي يوفِّرها طلب الحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطياً لتدخّل دولي للمساعدة في قتال الدولة الإسلامية، وهو السيناريو الذي لايمكن تكراره في سورية.
بيد أن تنظيم الدولة الإسلامية رسّخ أقدامه في كل من سورية والعراق، وأزال الحدود بين البلدين في المناطق الخاضعة إلى سيطرته. ومن ثمّ فلا معنى لأن يقتصر القيام بأي إجراء ضد هذا التنظيم على العراق وحده، سواء كان عسكرياً أو غير ذلك.
ثم أن التركيز على الضربات الجوية باعتباره أسلوباً للانخراط في العمل العسكري أمر غير فعّال أيضاً، خاصة وأن تنظيم الدولة الإسلامية يعي تماماً أنه ما من بلد غربي يرغب في إرسال قوات برية إلى سورية أو العراق، وهو مستعدّ للدفاع عن نفسه وفقاً لذلك.
قبل انطلاق حملة التحالف، تم إخلاء قواعد الدولة الإسلامية في الرقة وغيرها وقام أعضاؤها بالإختباء. وعلى أي حال، لم تُسفر الغارات التي شُنَّت حتى الآن سوى عن القليل من الأضرار الفعلية للقدرات العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية، ووفقاً لأحد مصادري على الأرض هناك فقد عادت الغارات،على العكس من ذلك، بالفائدة على استراتيجيته.
تقوم هذه الاستراتيجية على الانخراط في حرب دفاعية غير متناظرة، والتي تُعتبر، كما أظهر نموذجا حماس وحزب الله، رهاناً جيداً للجماعات المتشدّدة التي تمتلك قدرات محدودة وتواجه جيوشاً تقليدية كبيرة.
ويبدو أن الدولة الإسلامية استدعت العمل العسكري ضدّها، بهدف إضفاء الشرعية على سرديّتها التي تقول إنها تخوض حرباً ضد "الحملات الصليبية". وقد تم الآن تعزيز هذه السرديّة، خصوصاً وأن العديد ممن قتلوا خلال الغارات كانوا من المدنيين. وكلما ازدادت أعداد القتلى المدنيين، كلما ازدادت مشاعر الاستياء ضد التحالف، وأصبحت الدولة الإسلامية أكثر جاذبية للمجنّدين المحتملين.
لن تؤدّي الضربات الجوية إلى قطع علاقات الناس مع الدولة الإسلامية. فجاذبية الدولة الإسلامية في نظر عناصرها ليست مجرّد جاذبية إيديولوجية، بل هي تقوم على العمل للانتقام من المظالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عن السعي وراء السلطة والمال، وأيضاً تعزيز الشعور بالانتماء إلى المشروع الكبير الذي يتمثّل بإقامة الخلافة.
الآن وقد أُعلِنت الخلافة، وإن كانت في شكل بدائي، فإن جُلَّ ما يمكن أن تحقّقه الغارات الجوية هو احتواء الدولة الإسلامية من خلال الحدّ من قدرتها على التوسّع جغرافياً، ولكن ليس القضاء عليها.
من دون توافر خطة سياسية واقتصادية لمعالجة الدوافع التي تحرّك المتعاطفين مع الدولة الإسلامية داخل سورية والعراق والعالم، فإن العمل العسكري المحدود سيُبقي الدولة الإسلامية حيّة، ويفتح الباب أمام عمليات الانتقام. ومع تزايد عدد جهاديي الدولة الإسلامية القادمين من بريطانيا، فإن مشاركة هذه الأخيرة في الغارات الجوية قد تسفر عن مفاقمة التهديدات لأمنها. بريطانيا ليست وحدها في هذا النطاق، فخطر الانتقام يشمل جميع البلدان المشاركة في التحالف ضدّ الدولة الإسلامية.
على الرغم من أن التحالف المناهض للدولة الإسلامية كان يتبلور منذ بعض الوقت، فإن ما يسعى إلى تحقيقه أبعد ما يكون عن كونه استراتيجية تم تخطيطها بعناية. فبالإضافة إلى المخاطر المشار إليها أعلاه، ثمّة فجوة واضحة في خطة التحالف تكمن في عدم وجود استراتيجية سياسية لسورية من شأنها أن تحول دون انزلاق البلاد إلى نوع من الفوضى التي تشهدها ليبيا. كما يلاحظ عدم وجود استراتيجية أمنية إقليمية خاصة بدول الجوار مثل الأردن ودول الخليج، والتي دخلت التحالف بحذر وهي تشعر بالقلق على استقرارها الآن وقد انخرطت في مواجهة مباشرة مع الدولة الإسلامية.
ثمّة تدابير عدة، تتراوح بين الضغوط الدبلوماسية وتعزيز المعارضة السورية بصورة كافية، كان بوسع المجتمع الدولي اتّخاذها قبل عامين، وكان من شأنها أن تحول دون تصاعد الأزمة السورية إلى المستوى الذي ينذر بالخطر الذي نشهده اليوم.
كان يمكن للعمل العسكري الذي يتم التخطيط له حالياً أن يكون أكثر فعالية بكثير في السابق عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية لايزال في مهده. والآن وقد أصبح العمل العسكري حقيقة واقعة، يجب على بريطانيا، بدل أن تركب الموجة، أن تستخدم مكانتها باعتبارها بلداً أوروبياً كبيراً وحليفاً رئيساً للولايات المتحدة لدفع التحالف نحو صياغة استراتيجية شاملة طويلة الأجل تقدّم خطّة واقعية لما سيحدث في سورية والعراق في اليوم التالي لاستئصال تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا من شأنه تعزيز المكانة الدولية لبريطانيا، وتعزيز أمن دول التحالف بصورة أفضل، فضلاً عن منع التحالف من تكرار أخطاء الماضي.
نُشِرت هذه المقالة في الأصل باللغة الإنكليزية في صفحة الرأي بموقع "سي. أن. أن".

*مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م