الاثنين، 15 سبتمبر 2014

عبد الرحمن عبد الوهاب يكتب| مجد السجون والمنافي وما وراء القضبان..!!



الفضاء جدار وسحاباتنا عابرة
 إلا انه ، ذات يوم سينكسر الجدار
فكم من جدران سقطت عبر التاريخ ...
 يصور الشابي:
فما المجد ان تسكر الأرض بالدما *** وتركب فى هيجاءها فرسا نهد
 ولكن فى ان تصد بهمة عن العالم **المرزوء فيــــض الأسى صد
 وقد أفاض حينما قال: ان المجد يقظة حس ..
 قد اختلف معه فى البيت الأول , فمن رأيى ما أروع أن تسكر الأرض بالدماء ،وان تمتطى فى هيجاءها فرس نهد.. في بعض المواقف التي يرميك فيها الكفر عن قوس واحدة  ويجيّش جيوش الارض ضدك..
 والتى بها سيتطابق السياق مع رؤية المتنبى :
لا تحسبن المجد زقا وقينة فما*** المجد إلا السيف والفتكة البكر
  إن يقظة الحس فى أن تصد عن العالم المرزوء فيض الأسى صد رؤية راقية المعنى ، قوية الدلالة.

 وعادة لا يكون هذا الا لذى قلب كبير ، يحمل خصائص الفروسية .لفته رائعة جاء بها الشابى شعرًا ، وهذه اليقظة من الحس تختلف مع ما ساقه احد المفكرين العرب من سنوات ، حينما سألوه ماذا تتمنى.. قال: أتمنى أن أكون حمار لكى لا أحسّ بالمآسى التى جلبها الحكام العرب على شعوبهم . انه تمنى ان يكون حمارا كي يكون متبلد الاحساس .. كي لا يستشعر فداحة المصاب الذي سيجلبه الحكام العرب على امتهم كما يحدث الان في العراق في تلك الحرب الصليبية على العراق بغطاء اسلامي .. عشرة دول تتكتل على الدولة الاسلامية في العراق وتتخندق خلف اميركا وستكون مصر كرأس حربه كما قال كيري ..
، أننا جئنا فى زمن،  صعب .. زمن الخيانات والتآمرات ..كانت المفردات التى يتعامل بها الواقع الآن .. تختلف جذريا عن المفردات التى  كان يتعامل بها الواقع بالأمس من فروسية ومجد وثورة وعنفوان.. فكان الواقع العربى المعاصر ، لم نسمع به فى آبائنا الأولين .. ولذلك لم ننسجم معه ولم نتواءم .. بل لو عاينه أبو فراس الحمدانى أو أسامة بن منقذ لأصيبوا بالذبحة الصدرية والسكتة الدماغية فهو واقع متفرد فى صهيونيته ، متفرد فى التنصل من تلك النظريات التى كانت سائدة ويتعامل بها الواقع العربى بالأمس .. ليس من زمن سيف بن ذى يزن ..بل تنصل ويا للغرابة من النظريات التى تحكم السياق العربى  حتى فى الستينيات من القرن الماضى وهى فترة زمنية متناهية فى الِقصر وسواء أقصرت المدة أم بعدت المسافة . فالميزان هو" الحق" الإسلامى " وثوابت الأمة .... ولكن لقد اتسعت الهوة واتسع الخرق على الراقع ..
 لو جئنا في أزمنة موسى بن نصير أو عقبة بن نافع أو قتيبة من مسلم أو القعقاع بن عمرو التميمى ،أو سيف الدولة الحمدانى ، أو أسامة بن منقذ ، لكان الوضع جد مختلف وكللوا الجبين بالغار، وما أسوأ أن تعيش فى زمن  الانكسار، لا يقّدر الفروسية . ولا ينزل الفرسان منازلهم ، ولا يقدّر العظماء ... كما قال نزار : أريد أن اجعل الخيل أعلا صهيلا ولكن أهل مدينة يحتقرون الصهيل.
"مجد السجون وما وراء القضبان"
دراسة قديمة اهديها اليوم لكل من سجن ظلما وعدوانا :
كما قال ابو فراس :
 ستذكر أيامى نمير وعامر ***وكعب على علاتها وكلاب .
عادة يذكرنى  الامر ،بفرسان الأمس ممن قالوا:
لا نرهب الموت إن الموت مكرمة ولن نضن على راح بأصفاد
ما اسوأ ان يسقط الفارس من على الجواد .. لقد سقط ابو فراس فمكث اكثر من ثلاثين عاما في الاسر برومية .. بالرغم انه كان بامكانه الهرب .. وذكر هذا في ديوانه .. ولكنه رفض ان يهرب لانها ليست اخلاق الفروسية والفرسان ..
 ذات يوم سألوا "بيتر بنسن" - وكان رجل حى الضمير ويتمتع بيقظة الحس الذى سقناه - بعد مظاهرة ، لماذا توقد هذه الشمعة فى الميدان ؟. فقال "هذه الشمعة تحترق ليس من اجلنا ،ولكنها من اجل الذين فشلنا أن ننقذهم من السجن ، من اجل أولئك هذه الشمعة .!! "
The candle burns not for us, but for all those whom we failed to rescue from prison, That's what the candle is for .Peter Benenson
"اجل هذه الشمعة من اجل الذين فشلنا أن ننقذهم من السجن "
قال احد الغربيين : قبل أن تهاجم أى إنسان فى الحرب .. اقترب منه وتعرّف إليه ..  فلو كالنوا اقتروبوا من الاسلاميين لكا قالوا نحن نكره الاسلاميين ..وعرفوا كم هو إنسان .. وكم يحمل من نبل الأخلاق ومكامن الخير .ويقظة الضمير وشهامة الأخلاق.
****
 التقيت يوم بأحد المفكرين الأوربيين ، فسألته ما هو الموقف الذى شد انتباهك، من كتب التاريخ ، قال لى : من اغرب المواقف التى استوقفتنى . أن ذو القرنين وهو يحتضر فى مكان قريب من طاجكستان ،قال لمرافقيه ، لقد ملكت نصف الدنيا وانظروا إلى كفى الفارغة . لم ارحل من الدنيا بشيء.. تلك طبيعة الدنيا . إن الحكام سيرحلون ونحن سنرحل  سيرحل الإنسان خالى الوفاض .. اللهم إلا عمله ...وان الإنسان موقوف بين يدى الله
قال تعالى :
 (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى) (العلق : 8 )
لقد استوقفتنى عبارة قالها الكاتب أمير اسكندر فى جريدة الجمهورية بالسبعينات من القرن الماضى ، حيث قال . ومضى الحسين وكان الدرس المستفاد أن "لا الطغيان بقى ولا كلمة الحق زالت ".  إن الإنسان غير مخلد ، ولن يعيش ألف عام كما عاش نوح .. ان العمر الافتراضى 60 – 70- 100سنه بالكثير اذا قدر الله تعالى ،  تأتى بعدها مراض الشيخوخة ومن ثم الرحيل ومن ثم لقاء الله ـ
 قال تعالى:(وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (البقرة : 281 )
قال الإمام على : سبحان من توحد بالعز والبقاء وقهر عباده بالموت والفناء ..
ولكن لابد أن نتوقف إزاء العامل الزمنى ،أى مضى الحسين إلى ذمة الله بطلاً .. ومضى  من بعده حكم بنى امية  الى مزبلة التاريخ  اووجاء من بعده حكم العباسيين ومضى حكم العباسيين ، وجاء حكم المماليك ومضى حكم المماليك .. وجاء العثمانيين ومضى العثمانيين . وجاء الاستعمار ومضى الاستعمار وجاء سايكس بيكو .. ونحن سنمضى بعد سنوات قليلة ونكون تحت التراب ،،  ولكن ما الذى سيبقى ، ان الذى سيبقى فقط " المواقف" ، إنها الأشياء الباقية فى الكون ..تلك التى  فى ضمير الإنسان أى المبادئ ، تلك التى يحميها الإنسان ويعيش من اجلها ، اجل ويموت من اجلها ، تلك التى أبقى فى الكون من رواسى الأرض وكواكب السماء .اجل "لا الطغيان بقى ولا كلمة الحق زالت" .. يوما ما سجن سيد قطب ، ولكن بقىّ سيد بالرغم من الرحيل ، ولم يبق لحبل المشنقة ِذكر. ولم يبق الباستيل .. ولم يبق الحجاج .. ولم يبق يزيد .. ولقد اختصرها رب العزة- سما مقامه-
قال تعالى:
 (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِى الصَّالِحُونَ) (الأنبياء : 105
***
مجد ما وراء القضبان :
قالوا لا الجدران الصخرية تصنع سجناً ، ولا القضبان تصنع قفصاً .
Stone walls do not a prison make, nor iron bars a cage.
Richard Lovelace
أحيانا يكون الواقع حالك السواد وليس ثمة بصيص أمل ، أو شعاع ضوء فى الأفق .. فيكون التحول الهائل ..من الله تعالى ..يمحو آية الليل ، ويجعل آية النهار مبصرة ..قال تعالى :(فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ً) (الإسراء : 12 )قال تعالى عن يوسف عليه السلام :{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَى مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ } (33) سورة يوسف.. وقال تعالى عن فرعون: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِى لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} (29) سورة الشعراء
أى ان فرعون لم يضع ثمة خيار،إما ان يتخذه إلها ، وأما السجن ..!!
فى أزمنة الانكسار عادة ما يكون السجن الملاذ الآمن أحيانا ، وغير الآمن  فى أحيان أخرى للشرفاء والنبلاء فموسى عليه السلام ويوسف الصديق نقول بالرغم من وضعية السجن وما بها من آلام إلا أن يوسف الصديق لم يقطع الحبل بالله تحت أى ظروف وقع تحتها  بل بالرغم  من هذا الحيز الضيق والمحدود على بسيطة الكون ألا وهو أربعة جدران على بابها سجان فقد كان يحمل قضيته الأساسية وهدفه الرئيسى  أن يوّصل رسالة الإيمان بالله إلى الاخرين حتى وان كانوا شخصين التقى بهم فى السجن لقد كان الله تعالى ورسالة الإيمان به وإعلاء كلمته فى الأرض  وفى نفوس الأشخاص  هى قضية يوسف عليه السلام هذه هى رسالته  الدعوة إلى الله وإعلاء كلمة الله فى الأرض.هذا الوجود الإنساني.
قال تعالى عن يوسف :
(يَا صَاحِبَى السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف39  : 40 )
إذ أن أمر الدعوة وإعلاء كلمة الله فى الأرض ،  ليس قضية عابرة فى هذا الوجود الإنسانى إنها أهم قضية ولها ُخلق كبار وعظماء الرجال وهذا هو درب المجد والجنة الذى  بحثنا عنه بشق الأنفس  وتعاطينا من أجله كل صنوف الفكر لنجد أن درب المجد هو ذا درب الثوار الحقيقيين ودرب الأحرار الحقيقيين درب الأنبياء و أشراف البشرية ..قال" ديفيد هنرى ثرو" : تحت حكم الحكومات التى تسجن  أى إنسان ظلماً ،يكون السجن هو المكان الطبيعى لكل إنسان بريء.
Under a government which imprisons any unjustly, the true place for a just man is also a prison.Henry David Thoreau
فى مسيرة السجون لقد ُسئل أحد النبلاء لماذا لا تبنى لك بيتا فقال ما أصنع فيها وأنا المقيم على ظهر جواد أو فى السجن أو فى القبر..كذلك يقول بدوى الجبل  :
أطل على الدنيا عزيزا اضمنى إليه         ظلام السجن أم ضمنى القبر
وفى هذا المنطلق قال أبو فراس
من كان مثلى لم يبت إلا أسيرا أو أميرا
***
ها هو "على عزت بيجوفتش " يقول ساعة النطق عليه بخمسة عشر عاماً لإصداره البيان الإسلامى  يرد قائلا:" الحمد لله سأعيش مسلما وسأموت مسلما ولا أجد شيئا يستحق أن يعيش المرء أو يموت من أجله إلا الإسلام "
وتمر سنين المحنة والابتلاء ليكون يوماً رئيساً للبوسنة بل ان سنة الله تمضى حتى مع من هم على غير الملة  ...بل تمضى سنة الله فى هذا السياق حتى مع اليهود ، يقول " بيجين " فى كتابه التمرد عن أيام سجنه :
أمضيت الأيام فى التجوال وكان تجوالاً ذا شقين أولاهما جيئة وذهاباً من الحائط إلى الحائط أو من النافذة إلى الباب وثانيها شرود ذهنى فى الماضى والمستقبل المجهول مثل هذا التجول يجعل السجين ينسى البيئة الطبيعية التى تحيط به ويساعده على نسج حقيقه معتمة لرغباته إنه يجعل أيام سجنه أشبه ما تكون بالحلم العابر ولكنها أفضل الأيام الرتيبة التى يمكن أن يتخيلها الإنسان لأنها مليئة بالتطلعات ابتداءً من النفير الصباحى عند بزوغ الفجر إلى أن تغرب الشمس يترقب السجين شيئاً ما بصورة دائمة إنه الشعور بالأمر والرجاء وتمر الأيام ويصبح رئيسا لوزراء الكيان الصهيونى..مع فارق التشبيه من ناحية منطلقاتنا الإسلامية. ما يعنينى ان تلك المحنة لها تحولات حتمية بعد السجن،كما لو كانت من سنن الله فى الكون .فالله تعالى ينتشل يوسف انتشالة عادية من الجُب والرؤية المنعدمة إلى سدة الحكم ..فى زمن بسيط ..
***
In my country we go to prison first and then become President."                                                                                   " Nelson Mandela
 "فى بلدى اذهب إلى السجن أولا ، ثم ُأصبح رئيسا"
 نيلسون مانديلا
ولقد تناول الكاتب سمير عطا الله تلك النقطة تحديدا :" تمنح السجون لرجال القضايا هاله لا توفرها الحرية وحدها ويكمل السجن صورة الرجل فى ذهن مناصريه ويعطيه صورة التضحية وهيبة الألم التى لاتعطيها الحياة اليومية . وغرابة التاريخ أن ثمن الحرية الوطنية كان دائماً السجن والمنفى فمن بين مئات المسؤولين لمعت صورة ابن بيلا العائد من الأسر ولو لم يأخذ الفرنسيون بشاره الخورى إلى قلعة راشا فى تشرين الثانى نوفمبر 1943م لوصل رجل آخر إلى كرسى السلطة ويستطرد سمير عطا الله - السجون والمنافى طريق طويل إلى الإستقلال لكنه طريق مضمون  وفى النهاية يقول عن الشيخ أحمد ياسين إنه خرج من السجن زعيماً وطنياً يتطلع الكل إلى استقباله إنها الهاله التى يحملها السجناء معهم من العتمات الباردة ]
 وأنا لا أختلف مع الأستاذ سمير فالهالة التى يقصدها هى (هالة المجد)والحقيقة التى لا خلاف عليها أن أصحاب المبادئ  دائماً خلف أسوار السجون منذ يوسف المظلوم  وابن تيميه وابن قطب فى زنازين للثوار والسجون للأحرار عبر التاريخ بل أن الأمر فى الأوساط العامية أدركت أن السجن باب من [أبواب المجد] فلقد كانت تبث قناة المستقبل فاصل إعلامى مصور كرتونيا لمقتطف صغير من أحد الأفلام القديمة، بصوت حسين رياض حيث يقول:" اقدم لك الأستاذ عبد المنعم صبرى من شارع ..ويستطرد حسين رياض  ذا السجن ثمن بسيط للمجد اللى بيستناك"
 قرأت فى احد المصادر التاريخية أن حبس الرشيد موسى بن جعفر مظلوما : وكانت قصة غريبة مفادها ، انه بينما كان موسى ابن جعفر فى المنام أن أتاه الرسول فى المنام وقال له : يا موسى حبست مظلوما فقل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة فى الحبس فقال له ،بأبى أنت وأمى ما أقول فقال قل : يا سامع كل صوت ، ويا سابق الفوت ، ويا كاسى العظام لحما ومنشرها بعد الموت ، أسألك بأسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذى لم يطلع عليه احد من المخلوقين ، يا حليما ذا أناة لا ُيقوى على أناته ، ياذا المعروف الذى لا ينقطع أبدا ولا يحصى عددا فرج عنى " وبعدما قال الدعاء ، فرّج الله عنه فى ذات اليوم .
يقول جبران ":من الحبوس إلى الحبوس تمضى أجسادنا لا الحبوس تنتهى ولا القيد ينكسر"
جاء فى كتاب بهجة المجالس
كتب على باب سجن بالعراق: هاهنا تلين الصعاب, وتختبر الأحباب
مكتوب على باب سجن من سجون الملوك:  هنا تجربة الأصدقاء
أسجن وقيد واغتراب وعبرة           وفقد حبيب ان ذاك عظيم
وان امرؤ تبقى مواثيق عهده              على كل هذا انه   لكريم
عن احمد ابن إسماعيل كما جاء فى صفة الصفوة:بعث موسى بن جعفرالى الرشيد من الحبس رسالة كانت:انه لا ينقضى عنى يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء ثم نفضى جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون. كان على درب المجد الكثير من الأحرار الذين أكلت رطوبة وسنين السجن من أعمارهم .قال سيد قطب
أخى أنت حر وراء السدود                                  أخى أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصماً .                                  فماذا يضيرك كيد العبيد
فى بعض الأحيان قد تضع أنظمة الاستبداد سياسة ما لقهر الخصوم ، فيقول مثلا "توماس ُهبّس" : من يؤخذ إلى السجن أو يوضع فى القيود لمُ يقهر..
He that is taken and put into prison or chains is not conquered. Thomas Hobbes.
 الا ان تلك السبل ليست ذات جدوى . فهناك اشخاص لا تقهرهم السجون .. ولا المحن .كما قال ابن تيميه .قتلى شهاده وسجنى خلوة.ولهذا يقول الشيخ بوسف القرضاوى :.
تا الله ما الدعوات تهزم بالأذى                 أبداً وفى التاريخ بر يمينى
ضع فى يدى القيد ألهب أضلعى                ضتـع عنقى على السكين
لن تستطيع حصار فكرى ساعة                أو نزع إيمانى ونور يقيني
فالنور فى قلبى وقلبى فى يدي        ربى وربى ناصرى ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي                وأموت مبتسماً ليحيى ديني
ذلك    لأنه كما يقول " ابن رشد " أن الأفكار لها أجنحة لا تحجزها السدود ولا تقيدها القيود وقال "جيفرى ارتشر" : لقد كتبت مليون كلمة فى السنة الأولى وهذا ما لا يمكن عمله خارج السجن "
I wrote a million words in the first year, and I could never have done that outside of prison.Jeffrey Archer
 يقول" ايزنهاور": إذا كنت تريد الأمن الكامل ، اذهب إلى السجن تأكل وتلبس وتحصل على الدواء ولكن الشيء الوحيد الذى تفتقد اليه هو الحرية .
If you want total security, go to prison. There you're fed, clothed, given medical care and so on. The only thing lacking . is freedom. Dwight D. Eisenhower
ويقول "سيج نايت" :فى السجن تجدها فرصة لترى من يحبونك حقيقة.
In prison, you get the chance to see who really loves you. Suge Knight>>
وعن السجن يقول الأستاذ " محمد شديد " فى كتابة القصة فى القرآن كانت حياة يوسف الصديق سلسلة طويلة من الشدائد والمحن . لماذا يقاسى يوسف كل هذه الابتلاءات وشر الخلق فى يسر وسعه وعافيه ويجيب الرجل .لقد مضت سنه الله فى المؤمنين أن يمحص إيمانهم بالابتلاء: قال تعال :{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (2) سورة العنكبوت
 وتعالج القصة هذا الموضوع فى السورة فتكشف فى الوقت المناسب عن حكمة الابتلاء دون أن تلجأ إلى عبارات وعظية ودون أن تغير من جو السياق .{وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِى الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (56) سورة يوسف
القضية كانت ابتلاء:قال تعالى : {الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (2) سورة الملك.. كانت الحياة درب من الابتلاء وكان أعظم الناس ابتلاء الأنبياء فلأمثل فالأمثل ،كانت حياة يوسف عليه السلام عبارة عن درب من الآلام فحوى الابتلاء فى حياة البشر انها عبارة عن صدمات عنيفة لتختبر حس الإيمان ورسوخه.لدى المؤمن ..وكذلك بهذا الأسلوب وبهذا الإعداد وبهذه التربية بمكابدة المحن وتحمل البلاء والصبر على الشدائد مكّن الله تعالى ليوسف وكانت هالات السجن و تحّمل البلاء بصبر واحتساب وبما تعكسه من كاريزما المجد ، دائماً ترفع الشرفاء. أنه أهم قضية دنيوية وأخروية
يقول " المتنبى "    فى السجن :
كن كيف شئت أيها السجن فإني              وطنت للموت نفس معترف
لو كان سكناى فيـك منقصة لم         يكن الدر ساكن الصــدف
ولم يكن " المعتمد بن عباد " ذلك الرجل الذى خلد التاريخ سجنه إلا مثالاً لأحد الأُباه الذين لم يهتموا بمجد الملك الشخصى  بقدر ما اهتم بمصير الأمة حينما نصحه أصدقاءه بألا يستعين بابن تاشفين فرد بمقولته المأثورة (لئن أرعى الجمال عند ابن تاشفين خير من رعى الخنازير عند ألفونسو  وتنقضى حياته فى السجن وحينما ينادون بالصلاة عليه يكتفون بكلمة الصلاة على الغريب.. لكى لا يثيروا حزن الجموع عليه عند الفراق .. اعتقد ان المعتمد أبقى ذكرا فى التاريخ من ابن تاشفين .
وأنا أعتقد أن " المعتمد " وإن صار إلى ما آل إليه - من ضياع ملك فاستحواذ مسلم آخر أنبل كثيراً مما لو كان راعياً للخنازير عند الفونسو .
عن الاوضاع فى السجن .عادة ينسج الخيال حقيقة ويكون الذهن مشحوذاً وتبدو الحقائق بشكل جلى فلقد خرج الظلال لسيد قطب من على حوائط الزنازين  وكما قال نزار بالأمس كانت المعلقات على جدران الكعبة أما اليوم فهى تعلق على جدران الزنازين "  وبالفعل كتب أبو فراس الحمدانى  أرقى ما كتب من أشعار فى رومياته ، التى كتبها فى سجنه فى بلاد الروم,
فى الزنزانة يصب الماء ليتوضأ يذكر الله ويصلى    يتلو القرآن ،يكفينى من وطنى أرضاً مظلمة رطبه أسجد فيها لله .. ومن كان الله معه ،فليس لمخلوق عليه سبيل ، كما قال ابو ذر والله ما اريد الا الله صاحبا ولا اخشى مع الله وحشه ,يجدر بالذكر أن للمجد بابان باب أمامى يدخل فيه العظماء . وباب خلفى يخرج من لم يصبروا فى المحنة على محك الابتلاء,كما فعل ابو عبد الله الصغير اخر ملوك الاندلس ،وقع على تسليم غرناطه فى السجن لأنه لم يصبر على الابتلاء.
وعن الميته النبيله يقول الشاعر الأمريكى " كلود ماكاى "إذا لم يكن هناك من الموت بد فليكن موتنا نبيلاً"
 وكما قال المتنبي
 إذا غامرت فى شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت فى امر حقير كطعم الموت فى امر عظيم
 اعتقد إن مسيرة الكاتب الإسلاميين عموما ، فى  الفترة الأخيرة من الزمان ، إنها من القلم إلى الزنزانة ومن الزنزانة إلى القلم .دائماً الحق مر والحق غير مقبول لذلك كان يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده . فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم "عويمر حكيم أمتى  وجندب " أبو ذر طريد أمتى يعيش وحده ويموت وحده والله يكفيه وحده"
انه طريد فى الله منفى فى الله اجل إنه مجد المنافى ..
وعلى درب أبو ذر كانت مسيرة الشرفاء الماضيين والدمع فى أعينهم يبكون فراق الوطن والأهل ويكفيهم من الكون رضا  الله .." ليموتن رجل منكم بفلاة وهو أبو ذر " وكان هناك الكثير على درب ابى ذر كان منهم محمود سامى البارودى .. ونلاحظ انه قال فى آخر الأبيات (أثريت مجدا)
هاهو فى سرنديب يقول:
لم أقترف ذلة تقضـى علي             بما أصبحت فيه فماذا الويل والحرب
فهل دفاعى عن دينى وعن             وطنــى ذنـب أدان به ظلماً وأغترب
فلا يظن بى الحساد مندمـة            فـــــإننى صابر فى الله محتسب
أثــريت مجداً فلم أعبأ به             بمــــا أيدى الحوادث فهو مكتسب
يعيش الهجرة والتشرد تمخر كلماته وأبياته عباب المحيط  تحمل زفره الحرية والكرامه  أحيانا تكون حياة السجين بالرغم من أنه داخل المعتقل ظلمته إلا أنه أكثر بريقاً وتوهجا وكاريزما من الآلات الإعلامية المضادة .
وعلى درب مجد الأحرار كان الكثير من الإسلاميين وأصحاب المبادئ وهاهو "هاشم الرفاعي" يعطى صورة صادقة عن عمق المأساة والأمل الذى يرنو إليه من خلف القضبان
قد طالما شارفتها متأمــلاً                 فى الثائرين على الأسى اليقظـــان
دمع السجين هناك فـــي               أغلاله ودم الشهيد هنا سيلتقيـــان
أهوى الحياة كريمة لا قيد             لا إرهاب لا استخفــــاف بالإنسان
فإذا سقطت سقطــت أحمل            عزتى يغلى دم الأحرار فى شريــاني
لقد تغنى الكثير على مر التاريخ بالصبر على مرارة الألم والحديد والقضبان وأعتاب الزنازين.
سيدى الخليفة:
 تساءلت كثيراً أين الفرسان نعم رأيتهم هناك وراء القضبان يرفع فى يده اليمنى مصحفا وفى يده اليسرى قيدا مختوم بنجمة داوود السداسية ، بعيداً عن شمس الحرية ليلنا طويل لم نر له فجراً ولم نسمع له آذان تقلصت الأرض وانكمشت وضاقت السماء وغابت وتحولت إلى أربعة جدران يقف على بابها جلاد إنها الزنازين مقابر للأحياء.. فيها أناس يتنفسون  ويذكرون الله ويحلمون بغد رائع للبشرية وينسجون من العتمات الباردة روعة الحرية وأحلام الخلاص حيث يقول الشاعر الانجليزى " بايرون " عن الحرية والقيود أيتها الروح الخالدة للعقل الحر فى القيود يا ألمع ما تكون فى الزنزانات أنت لون الحرية.
سيدى الخليفة :
تبدو على قسمات وجهه السعادة والسرور فاليوم عيد سيرى ابيه
وهناك على أبواب المعتقل يقول السجانون : ممنوع دخول الأطفال لرؤية آباءهم يدب الأرض بقدميه تميد الدنيا يرمى كسرة الخبزأريد بابا  تنطلق من حنجرته إلى عنان السماء يسمعها الكون كل الكون ورب الكون إلا أبيه والسبب أسوار الجلاد .
سيدى الخليفة    أتعود ؟!
أم ننتظر حتى يكبر الصغير الباكى على أبواب المعتقل .

أسلم لأمتك يا خليفة..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

بحث

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م