يوم الأحد 10 أكتوبر الجاري 2010 ، أفتتح البابا بينيديكتوس السادس عشر (سينودس الشرق الأوسط) – أي مجمع - الذي سيستمر حتى يوم 24 أكتوبر ، بقداس احتفالي في بازيليك مار بطرس في الفاتيكان حضره رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري وبطاركة الشرق الكاثوليك وعدد من المطارنة الذين حضروا من دول المنطقة العربية للمشاركة في هذا السينودس الذي يدرس أوضاع المسيحيين من كل جوانبها ، كما يقول بيان رسمي للفاتيكان ، حيث ستناقش ندوات الأساقفة مصير الأقليات النصرانية في الشرق الأوسط وعلاقاتهم بالأنظمة ومدى تمتعهم بالحريات الدينية.
الافتتاح حضره حشد من أبناء الكنائس الكاثوليكية يعادل قرابة 270 مشاركا من الشرق الأوسط من لبنان وفلسطين وسوريا والأردن والعراق ومصر والسودان وإيران ، إضافة لرموز من أفريقيا ، وقيل أن هدفهم هو مناقشة حاجات الكنائس في الشرق الأوسط وإمكان الحوار مع بقية الأديان والحوار الكاثوليكي – الأرثوذكسي ، وأن يتحول هذا السينودس، في روما الي (واحة أمل وخلاص للكنائس الشرقية ولحل مشكلات المؤمنين في منطقة الشرق الأوسط ) !.
وثيقة البابا ضد الإسلام
والحقيقة أن الهدف الأساسي من وراء هذا التجمع هو مناقشة وثيقة أطلقها بابا روما يوم 7 يونيه 2010 الماضي من قبرص عندما تحدث عن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط (غالبيتهم من العرب)، محذرا مما اسماه "اختفاء" مسيحيي هذه المنطقة المضطربة ، وداعيا – كحل للمشكلة – لمزيد من العلمنة للإسلام والبعد عما أسماه "التطرف" والشريعة ، مرجعا مزاعم تقلص وهجرة المسيحيين العرب من المنطقة الي التطرف الاسلامي وشعارات (الإسلام هو الحل) ، واشار علي استحياء للدور الصهيوني أيضا ضمن ما اسماه (حروب المنطقة) في تهجير فلسطينيو القدس والأرض المحتلة .
البابا سلم بطاركة الشرق الكاثوليك خلال هذه الزيارة وثيقة عمل تتضمن نقاطا أساسية حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط وعلاقتهم بمحيطهم تحمل اسم "آلية العمل" في كافة الأبرشيات المسيحية لتعرض على "المجمع من اجل الشرق الأوسط" الذي سيعقد في روما في أكتوبر 2010 بحضور بطاركة الشرق، على أن يصدر في ختام أعماله "إرشاد رسولي" يتضمن النص النهائي حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط.
فوثيقة البابا – التي أ طلعت عليها (المسلم) - شددت على تداعيات النزاع العربي الإسرائيلي على وضع المسيحيين في الشرق الأوسط المهددين – كما قال - بـ"الاختفاء" بسبب نزيف الهجرة المتواصلة ، وأشارت لان الصراعات السياسية القائمة في المنطقة "تؤثر تأثيرا مباشرا على حياة المسيحيين بصفتهم مواطنين كما بصفتهم مسيحيين مما يجعل وضعهم بشكل خاص هشا وغير مستقر" ، وقالت أن "غياب الصوت المسيحي سيسبب إفقار المجتمعات الشرق أوسطية" ، ولكن وثقة البابا اهتمت بالحديث أكثر عن "التيارات المتطرفة (الإسلامية) التي قالت أنها تشكل تهديدا للجميع المسيحيين واليهود والمسلمين وينبغي علينا أن نواجهها معا" !!.
الوثيقة - التي تقع في 40 صفحة تضم 123 بندا - تتكون من تمهيد، ومقدمة، وثلاثة فصول عناوينها : الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط ؛ توحيد الكنائس ؛ وشهادة المسيحيين ، أما الخاتمة فهي عبارة عن تساؤل يعتبر خلاصة الوثيقة تقول فيه : "أي مستقبل لمسيحيي الشرق الأوسط ؟" .. وتأتى الإجابة في العنوان الفرعي له ذات مغزى واضح تقول: "لا تخشى شيئا ، أيها القطيع الصغير !" .. نعم ، لا تخشى شيئا أيها القطيع الصغير" !؟.
والملفت في هذه الوثيقة هو التركيز علي "خطر" الإسلام السياسي ، الذي يبدو أن المقصود به ليس فقط الجماعات الإسلامية السلفية وإنما أيضا جماعة الإخوان المسلمين ، حيث يظهر في الوثيقة خوف مسكون من الرؤية السياسية الإسلامية عموما ، بما فيه التخوفات الواضحة من (شعار الإسلام هو الحل)، وأيضا المخاوف من (الأسلمة)، وما يتبعه من خوف واضح من (عدم تمييز المسلمين بين الدين والسياسة، فالإسلام في العادة هو دين ودولة، كما تقول الورقة.
والوثيقة تزعم أن أبرز تحد يواجه مسيحيو الشرق هو الحركات السياسية الإسلامية، وأيضا الدول التي بنيت على أسس إسلامية، وهي كل الدول التي تنص في دساتيرها على أن (دين الدولة الإسلام)، وعلى أن (الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع) ، وهو ما يثير تساؤلات حول سر تضخيم التخوف من الإسلام عموما حتي لو تم النص عليه في دساتير دون العمل به ، وبرغم أن غالبية الدول العربية والإسلامية علمانية لا تطبق الشريعة ، ولكن موقف ورقة العمل يكشف عن مخاوف من كل شكل إسلامي أو عنوان إسلامي للنظام السياسي، حتى وإن كان مجرد عنوان !؟.
والأكثر غرابة أنه برغم تخوف الوثيقة من التزام المسلمين بدينهم ورغبتهم في تطبيق شريعتهم وترحيبها بالعلمانية الكاملة ، فهي تدعو لما يسمي (العلمانية الإيجابية) التي تعني التزام المسيحي بالقيم الدينية (وتنكرها علي المسلمين) ،فالوثيقة تتحدث عن العلمانية الإيجابية (التي تحترم الدين وتحترم دوره، حتى في المجال العام، ولكنها تفصل بين النظام الديني والنظام الزمني) . وتلك العلمانية في نظر الكنيسة الكاثوليكية، لا تمنع من قيام الدين بدور في الحياة العامة، ولا تمنع الكنيسة الكاثوليكية من تأكيدها على دورها في حياة المجتمعات العربية والإسلامية، وأيضا تأكيدها على دور المسيحي في الحياة العامة، وفي العمل السياسي.
وهنا نلحظ تناقضا بين المطالبة بالعلمانية لتحجيم "الإسلام السياسي" ودعاة (الإسلام هو الحل) والتخوف من (الأسلمة) ، وفي الوقت نفسه المطالبة بحرية العمل الديني للمسيحيين (!) ..أي أن تلك العلمانية في نظر الكنيسة الكاثوليكية، لا تمنع من قيام الدين المسيحي بدور في الحياة العامة ولكنها تحرمه علي الإسلام أو الإسلاميين النشطين ! .
ولهذا يقول المفكر المسيحي (الانجيلي) رفيق حبيب أن الوثيقة تجسد (إشكالية الجماعة المسيحية) ، وليس الكاثوليكية فقط، أي كل الجماعة المسيحية في البلاد العربية والإسلامية : "فهي جماعة محافظة متدينة، وهي جماعة تبني حياتها الفردية والجماعية والأسرية على القيم والقواعد الدينية، وهي جماعة تحافظ على قداسة الدين، وقدسية العلاقة الأسرية المبنية على القواعد الدينية. وهي جماعة مسيحية تعلي من قيمة الدين، وتحمي قداسة الدين في المجال العام، كما تعلي من دور الدين في المجتمع، وتحمل رؤى عن الالتزام الديني، تجعل دور المؤمن المواطن، غير المواطن غير المؤمن ، وبهذا نجد أن الجماعة المسيحية تحمل رؤية تتجانس مع رؤية الحركة الإسلامية الإصلاحية، ولكنها في الوقت نفسه تحمل هواجس من الحركة الإسلامية الإصلاحية، لا تتناسب مع حجم التجانس بينهما. وتلك هي المشكلة"!.
فالجماعة المسيحية تطالب أحيانا بالعلمانية، ظنا منها أن المشروع الإسلامي يؤدي إلى فقدانها لتميزها، أو إلى التقليل من شأنها، أو إلى أسلمتها ، ولكن الجماعة المسيحية تتصرف في حياتها بشكل يناقض العلمانية ويتعارض معها، مما يجعل سلوك الجماعة المسيحية والكنيسة، من أجل الحفاظ على قدسية الدين، وحمايته من حرية الرأي والتعبير، يتناقض مع الدعوة للعلمانية. ونجد أيضا أن اهتمام الكنيسة والجماعة المسيحية بتطبيق الشريعة المسيحية في قضايا الزواج والطلاق، يجعل الدين مرجعية عليا للقانون والدستور، وهو ما يتحقق من خلال مرجعية الشريعة الإسلامية، ولا يتحقق من خلال المرجعية العلمانية" .
وقد فضحت الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية هدف وثيقة الفاتيكان الأخيرة التي تجري مناقشتها حاليا في دراسة أعدتها حولها قالت فيها أن : "الوثيقة لا تكف عن تكرار أن المسيحيين في الشرق الأوسط أقلية ضعيفة و تعانى من الاضطهاد ، لذلك تطالب كل العالم المسيحي ليتحرك لإنقاذهم من الظلم والانقراض.. وهذا هو أحد أهم مضامين الوثيقة.. أي التدخل لحماية الأقليات المسيحية بأي وسيلة وبأي ثمن ، وأن هذا جزء من محاولته الشرسة للقضاء على الإسلام والمسلمين!! " .
وتقول أن هدف هذا السينودس غير المسبوق في تلاعبه بالألفاظ وفى لىّ الحقائق ، هو كما يقول النص : "تأكيد وتقوية المسيحيين فى هويتهم ؛ وإحياء الوحدة بين الكنائس ذات الحكم الذاتي .. وهذه العبارة الأخيرة مكتوبة باللاتينية في كل نصوص الوثيقة باللغات الأجنبية : (Sui iuris) ، بدلا من استخدام عبارة "الكنائس المنشقة" التي كانت تستخدم سابقا .. مثلما كف الفاتيكان عن مناداة اليهود بعبارة "قتلة الرب" وأصبح يناديهم بعبارة "الإخوة الأكبر".. بمعنى السابقون فى الإيمان !.
وتضيف د. زينب أن الوثيقة تغص بمثل هذا التلاعب بالألفاظ من باب التمويه على القارئ غير الملم بالتعبيرات الأساسية المستخدمة ، ومنها على سبيل المثال ، عدم استخدام عبارة "تنصير العالم" الشهيرة منذ مجمع الفاتيكان الثانى، وإنما قول : "توصيل النبأ السعيد إلى كافة البشر" .. والنبأ السعيد في العرف الكنسي هنا هو "الإيمان بحياة وموت وقيامة ربهم يسوع" !! وكذلك عدم استخدام تعبير "توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما"، وإنما قول "أن تلتف الكنائس حول أسقف روما (وهو أحد ألقاب البابا) خليفة بطرس، الراعي العالمي للكنيسة، من أجل الكنيسة العالمية".. ولكي يتم تحقيق هذا المطلب لا بد من تدعيم دور الكنيسة الكاثوليكية فى الشرق الأوسط على كافة المستويات بدءا بالكنائس المنشقة ، وذلك من أجل " تزويد المسيحيين بأسباب وجودهم في مجتمع ذي أغلبية مسلمة ، ومعرفة ما عليهم القيام به بصورة واضحة بفضل توجيهات رعاتهم" .. أي أنه مزيد من التوغل الفاتيكاني الكاثوليكي في الشرق الأوسط ومزيد من الاستخدام لوجود المسيحيين المحليين في عملية اقتلاع الإسلام والمسلمين التى يعدّون لها، وإن أمكن ان تتم بتعاون بعض المسلمين الذين يقبلون التواطؤ- وإن كان الفاتيكان يطلق عليهم عبارة "حكماء المسلمين" ! ..
وتقول د. زينب عبد العزيز للتدليل علي كلامها : أنهم في فرنسا علقوا علي هذه الوثيقة بأنها "نداء إلى حرب صليبية جديدة ضد الإسلام" ، أو "أن البابا يستعدى مسيحيو أوروبا على الإسلام" ، أو "البابا يحث أوروبا المسيحية لنجدة إخوانهم من الإبادة في الشرق الأوسط " أو "البابا يدعو أوروبا الى حماية أصول جذورها المسيحية فى الشرق الأوسط " ، وكأن المسيحيين يرضخون تحت نير "احتلال المسلمين" - في الشرق الأوسط - لأراضيهم ويسومونهم أشد أنواع العذاب أو يلقون بهم إلى ساحات الأسود الجائعة !
ربما لهذا تبدو المطالب التى تنادى بها هذه الوثيقة هي تحجيم الاسلام وإستغلال ورقة المسيحيين العرب في إبتزاز العرب والمسلمين وضرب الاسلام وعلمنته ، فهي تطالب بـ :
* "احترام حقوق الإنسان الدينية ، وحرية الضمير ، أي "حرية أن تؤمن أو لا تؤمن أو أن تمارس ديانة ما علناً ، أو حرية تغيير الديانة " ..
* " عملية التبشير يجب أن تأخذ في الاعتبار اختلاف العقائد والمواقف لدى المسلمين والمسيحيين"..
* " تشجيع المسيحيين الوافدين إلى مصر على شراء العقارات والأراضي " ..
* " ان المسيحيين مواطنون أصليون فى الشرق الأوسط قبل مجئ الإسلام بكثير وان مفتاح التعايش بين الاثنين هو الاعتراف بالحرية الدينية "..
*" أن المسيحيين العرب هم أصحاب النهضة العربية، أي يتم استبعاد حقيقة أن العلماء والأدباء المسلمين هم أصل الحضارة الأوروبية
* فصل الدين عن الدولة .
الواضح إذا أن هدف الوثيقة هو استهداف الإسلام بالدعوة للعلمانية في البلاد الإسلامية بدعاوي حماية المسيحيين من (الإسلام السياسي) ، وتارة أخري عبر تصدير مشكلة العلمانية في الغرب إلى البلاد العربية والإسلامية، للقضاء علي الحضور القوي للدين لدي المسلمين والحد من دور الدين الإسلامي فقط مع السماح للمسيحية بحرية الحركة والتبشير !؟
الافتتاح حضره حشد من أبناء الكنائس الكاثوليكية يعادل قرابة 270 مشاركا من الشرق الأوسط من لبنان وفلسطين وسوريا والأردن والعراق ومصر والسودان وإيران ، إضافة لرموز من أفريقيا ، وقيل أن هدفهم هو مناقشة حاجات الكنائس في الشرق الأوسط وإمكان الحوار مع بقية الأديان والحوار الكاثوليكي – الأرثوذكسي ، وأن يتحول هذا السينودس، في روما الي (واحة أمل وخلاص للكنائس الشرقية ولحل مشكلات المؤمنين في منطقة الشرق الأوسط ) !.
وثيقة البابا ضد الإسلام
والحقيقة أن الهدف الأساسي من وراء هذا التجمع هو مناقشة وثيقة أطلقها بابا روما يوم 7 يونيه 2010 الماضي من قبرص عندما تحدث عن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط (غالبيتهم من العرب)، محذرا مما اسماه "اختفاء" مسيحيي هذه المنطقة المضطربة ، وداعيا – كحل للمشكلة – لمزيد من العلمنة للإسلام والبعد عما أسماه "التطرف" والشريعة ، مرجعا مزاعم تقلص وهجرة المسيحيين العرب من المنطقة الي التطرف الاسلامي وشعارات (الإسلام هو الحل) ، واشار علي استحياء للدور الصهيوني أيضا ضمن ما اسماه (حروب المنطقة) في تهجير فلسطينيو القدس والأرض المحتلة .
البابا سلم بطاركة الشرق الكاثوليك خلال هذه الزيارة وثيقة عمل تتضمن نقاطا أساسية حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط وعلاقتهم بمحيطهم تحمل اسم "آلية العمل" في كافة الأبرشيات المسيحية لتعرض على "المجمع من اجل الشرق الأوسط" الذي سيعقد في روما في أكتوبر 2010 بحضور بطاركة الشرق، على أن يصدر في ختام أعماله "إرشاد رسولي" يتضمن النص النهائي حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط.
فوثيقة البابا – التي أ طلعت عليها (المسلم) - شددت على تداعيات النزاع العربي الإسرائيلي على وضع المسيحيين في الشرق الأوسط المهددين – كما قال - بـ"الاختفاء" بسبب نزيف الهجرة المتواصلة ، وأشارت لان الصراعات السياسية القائمة في المنطقة "تؤثر تأثيرا مباشرا على حياة المسيحيين بصفتهم مواطنين كما بصفتهم مسيحيين مما يجعل وضعهم بشكل خاص هشا وغير مستقر" ، وقالت أن "غياب الصوت المسيحي سيسبب إفقار المجتمعات الشرق أوسطية" ، ولكن وثقة البابا اهتمت بالحديث أكثر عن "التيارات المتطرفة (الإسلامية) التي قالت أنها تشكل تهديدا للجميع المسيحيين واليهود والمسلمين وينبغي علينا أن نواجهها معا" !!.
الوثيقة - التي تقع في 40 صفحة تضم 123 بندا - تتكون من تمهيد، ومقدمة، وثلاثة فصول عناوينها : الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط ؛ توحيد الكنائس ؛ وشهادة المسيحيين ، أما الخاتمة فهي عبارة عن تساؤل يعتبر خلاصة الوثيقة تقول فيه : "أي مستقبل لمسيحيي الشرق الأوسط ؟" .. وتأتى الإجابة في العنوان الفرعي له ذات مغزى واضح تقول: "لا تخشى شيئا ، أيها القطيع الصغير !" .. نعم ، لا تخشى شيئا أيها القطيع الصغير" !؟.
والملفت في هذه الوثيقة هو التركيز علي "خطر" الإسلام السياسي ، الذي يبدو أن المقصود به ليس فقط الجماعات الإسلامية السلفية وإنما أيضا جماعة الإخوان المسلمين ، حيث يظهر في الوثيقة خوف مسكون من الرؤية السياسية الإسلامية عموما ، بما فيه التخوفات الواضحة من (شعار الإسلام هو الحل)، وأيضا المخاوف من (الأسلمة)، وما يتبعه من خوف واضح من (عدم تمييز المسلمين بين الدين والسياسة، فالإسلام في العادة هو دين ودولة، كما تقول الورقة.
والوثيقة تزعم أن أبرز تحد يواجه مسيحيو الشرق هو الحركات السياسية الإسلامية، وأيضا الدول التي بنيت على أسس إسلامية، وهي كل الدول التي تنص في دساتيرها على أن (دين الدولة الإسلام)، وعلى أن (الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع) ، وهو ما يثير تساؤلات حول سر تضخيم التخوف من الإسلام عموما حتي لو تم النص عليه في دساتير دون العمل به ، وبرغم أن غالبية الدول العربية والإسلامية علمانية لا تطبق الشريعة ، ولكن موقف ورقة العمل يكشف عن مخاوف من كل شكل إسلامي أو عنوان إسلامي للنظام السياسي، حتى وإن كان مجرد عنوان !؟.
والأكثر غرابة أنه برغم تخوف الوثيقة من التزام المسلمين بدينهم ورغبتهم في تطبيق شريعتهم وترحيبها بالعلمانية الكاملة ، فهي تدعو لما يسمي (العلمانية الإيجابية) التي تعني التزام المسيحي بالقيم الدينية (وتنكرها علي المسلمين) ،فالوثيقة تتحدث عن العلمانية الإيجابية (التي تحترم الدين وتحترم دوره، حتى في المجال العام، ولكنها تفصل بين النظام الديني والنظام الزمني) . وتلك العلمانية في نظر الكنيسة الكاثوليكية، لا تمنع من قيام الدين بدور في الحياة العامة، ولا تمنع الكنيسة الكاثوليكية من تأكيدها على دورها في حياة المجتمعات العربية والإسلامية، وأيضا تأكيدها على دور المسيحي في الحياة العامة، وفي العمل السياسي.
وهنا نلحظ تناقضا بين المطالبة بالعلمانية لتحجيم "الإسلام السياسي" ودعاة (الإسلام هو الحل) والتخوف من (الأسلمة) ، وفي الوقت نفسه المطالبة بحرية العمل الديني للمسيحيين (!) ..أي أن تلك العلمانية في نظر الكنيسة الكاثوليكية، لا تمنع من قيام الدين المسيحي بدور في الحياة العامة ولكنها تحرمه علي الإسلام أو الإسلاميين النشطين ! .
ولهذا يقول المفكر المسيحي (الانجيلي) رفيق حبيب أن الوثيقة تجسد (إشكالية الجماعة المسيحية) ، وليس الكاثوليكية فقط، أي كل الجماعة المسيحية في البلاد العربية والإسلامية : "فهي جماعة محافظة متدينة، وهي جماعة تبني حياتها الفردية والجماعية والأسرية على القيم والقواعد الدينية، وهي جماعة تحافظ على قداسة الدين، وقدسية العلاقة الأسرية المبنية على القواعد الدينية. وهي جماعة مسيحية تعلي من قيمة الدين، وتحمي قداسة الدين في المجال العام، كما تعلي من دور الدين في المجتمع، وتحمل رؤى عن الالتزام الديني، تجعل دور المؤمن المواطن، غير المواطن غير المؤمن ، وبهذا نجد أن الجماعة المسيحية تحمل رؤية تتجانس مع رؤية الحركة الإسلامية الإصلاحية، ولكنها في الوقت نفسه تحمل هواجس من الحركة الإسلامية الإصلاحية، لا تتناسب مع حجم التجانس بينهما. وتلك هي المشكلة"!.
فالجماعة المسيحية تطالب أحيانا بالعلمانية، ظنا منها أن المشروع الإسلامي يؤدي إلى فقدانها لتميزها، أو إلى التقليل من شأنها، أو إلى أسلمتها ، ولكن الجماعة المسيحية تتصرف في حياتها بشكل يناقض العلمانية ويتعارض معها، مما يجعل سلوك الجماعة المسيحية والكنيسة، من أجل الحفاظ على قدسية الدين، وحمايته من حرية الرأي والتعبير، يتناقض مع الدعوة للعلمانية. ونجد أيضا أن اهتمام الكنيسة والجماعة المسيحية بتطبيق الشريعة المسيحية في قضايا الزواج والطلاق، يجعل الدين مرجعية عليا للقانون والدستور، وهو ما يتحقق من خلال مرجعية الشريعة الإسلامية، ولا يتحقق من خلال المرجعية العلمانية" .
وقد فضحت الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية هدف وثيقة الفاتيكان الأخيرة التي تجري مناقشتها حاليا في دراسة أعدتها حولها قالت فيها أن : "الوثيقة لا تكف عن تكرار أن المسيحيين في الشرق الأوسط أقلية ضعيفة و تعانى من الاضطهاد ، لذلك تطالب كل العالم المسيحي ليتحرك لإنقاذهم من الظلم والانقراض.. وهذا هو أحد أهم مضامين الوثيقة.. أي التدخل لحماية الأقليات المسيحية بأي وسيلة وبأي ثمن ، وأن هذا جزء من محاولته الشرسة للقضاء على الإسلام والمسلمين!! " .
وتقول أن هدف هذا السينودس غير المسبوق في تلاعبه بالألفاظ وفى لىّ الحقائق ، هو كما يقول النص : "تأكيد وتقوية المسيحيين فى هويتهم ؛ وإحياء الوحدة بين الكنائس ذات الحكم الذاتي .. وهذه العبارة الأخيرة مكتوبة باللاتينية في كل نصوص الوثيقة باللغات الأجنبية : (Sui iuris) ، بدلا من استخدام عبارة "الكنائس المنشقة" التي كانت تستخدم سابقا .. مثلما كف الفاتيكان عن مناداة اليهود بعبارة "قتلة الرب" وأصبح يناديهم بعبارة "الإخوة الأكبر".. بمعنى السابقون فى الإيمان !.
وتضيف د. زينب أن الوثيقة تغص بمثل هذا التلاعب بالألفاظ من باب التمويه على القارئ غير الملم بالتعبيرات الأساسية المستخدمة ، ومنها على سبيل المثال ، عدم استخدام عبارة "تنصير العالم" الشهيرة منذ مجمع الفاتيكان الثانى، وإنما قول : "توصيل النبأ السعيد إلى كافة البشر" .. والنبأ السعيد في العرف الكنسي هنا هو "الإيمان بحياة وموت وقيامة ربهم يسوع" !! وكذلك عدم استخدام تعبير "توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما"، وإنما قول "أن تلتف الكنائس حول أسقف روما (وهو أحد ألقاب البابا) خليفة بطرس، الراعي العالمي للكنيسة، من أجل الكنيسة العالمية".. ولكي يتم تحقيق هذا المطلب لا بد من تدعيم دور الكنيسة الكاثوليكية فى الشرق الأوسط على كافة المستويات بدءا بالكنائس المنشقة ، وذلك من أجل " تزويد المسيحيين بأسباب وجودهم في مجتمع ذي أغلبية مسلمة ، ومعرفة ما عليهم القيام به بصورة واضحة بفضل توجيهات رعاتهم" .. أي أنه مزيد من التوغل الفاتيكاني الكاثوليكي في الشرق الأوسط ومزيد من الاستخدام لوجود المسيحيين المحليين في عملية اقتلاع الإسلام والمسلمين التى يعدّون لها، وإن أمكن ان تتم بتعاون بعض المسلمين الذين يقبلون التواطؤ- وإن كان الفاتيكان يطلق عليهم عبارة "حكماء المسلمين" ! ..
وتقول د. زينب عبد العزيز للتدليل علي كلامها : أنهم في فرنسا علقوا علي هذه الوثيقة بأنها "نداء إلى حرب صليبية جديدة ضد الإسلام" ، أو "أن البابا يستعدى مسيحيو أوروبا على الإسلام" ، أو "البابا يحث أوروبا المسيحية لنجدة إخوانهم من الإبادة في الشرق الأوسط " أو "البابا يدعو أوروبا الى حماية أصول جذورها المسيحية فى الشرق الأوسط " ، وكأن المسيحيين يرضخون تحت نير "احتلال المسلمين" - في الشرق الأوسط - لأراضيهم ويسومونهم أشد أنواع العذاب أو يلقون بهم إلى ساحات الأسود الجائعة !
ربما لهذا تبدو المطالب التى تنادى بها هذه الوثيقة هي تحجيم الاسلام وإستغلال ورقة المسيحيين العرب في إبتزاز العرب والمسلمين وضرب الاسلام وعلمنته ، فهي تطالب بـ :
* "احترام حقوق الإنسان الدينية ، وحرية الضمير ، أي "حرية أن تؤمن أو لا تؤمن أو أن تمارس ديانة ما علناً ، أو حرية تغيير الديانة " ..
* " عملية التبشير يجب أن تأخذ في الاعتبار اختلاف العقائد والمواقف لدى المسلمين والمسيحيين"..
* " تشجيع المسيحيين الوافدين إلى مصر على شراء العقارات والأراضي " ..
* " ان المسيحيين مواطنون أصليون فى الشرق الأوسط قبل مجئ الإسلام بكثير وان مفتاح التعايش بين الاثنين هو الاعتراف بالحرية الدينية "..
*" أن المسيحيين العرب هم أصحاب النهضة العربية، أي يتم استبعاد حقيقة أن العلماء والأدباء المسلمين هم أصل الحضارة الأوروبية
* فصل الدين عن الدولة .
الواضح إذا أن هدف الوثيقة هو استهداف الإسلام بالدعوة للعلمانية في البلاد الإسلامية بدعاوي حماية المسيحيين من (الإسلام السياسي) ، وتارة أخري عبر تصدير مشكلة العلمانية في الغرب إلى البلاد العربية والإسلامية، للقضاء علي الحضور القوي للدين لدي المسلمين والحد من دور الدين الإسلامي فقط مع السماح للمسيحية بحرية الحركة والتبشير !؟
موقع المسلم
جمال عرفة | 4/11/1431 هـ
0 التعليقات:
إرسال تعليق